مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الجمل الجنِّي

الإبل - أي الجمال - جلبت لأستراليا قديماً للاستعانة بها إبَّان إقامة سكك القطارات، وكذلك في نقل المتاع والحجارة في بناء المنازل، إلى أن جاء اختراع السيارات والشاحنات، فاستغنوا عنها وأطلقوها.
وحيث إن المنطقة الصحراوية في أستراليا تلائم الجمال، أخذت تتكاثر إلى أن وصلت أعدادها إلى ما يقارب المليون، وهي في ازدياد مطرد، وأصبحت مشكلة مقلقة وعويصة؛ لأنها تحولت إلى حيوانات وحشية يصعب السيطرة عليها، لهذا أخذوا يكافحونها بإطلاق الرصاص عليها من الطائرات المروحية، إلى جانب أن المسؤولين رصدوا 75 دولاراً لكل من يقتل جملاً.
وتأتي أستراليا في العالم بالمرتبة الخامسة في عدد الجمال. وأكثر الدول الصومال، الذي يبلغ عدد جماله أكثر من سبعة ملايين جمل، ويأتي بعده السودان، ثم موريتانيا، ثم السعودية، ثم أستراليا، ثم باكستان.
وعندما علم بعض إخواننا الشباب السعوديين من المدمنين على أكل لحم «الحاشي» - وهو الجمل الصغير الذي فُطم للتو من ثدي أمه - كيف أنهم في أستراليا يحاولون القضاء على الإبل، حتى ظنُّوا أن الله قد فتحها عليهم، لهذا قرروا على وجه السرعة تأسيس شركة ذات مسؤولية محدودة، مكونة من خمسة شركاء، نشاطها احتكار شراء جمال أستراليا والمتاجرة بلحومها. وذهب اثنان منهم إلى هناك، واجتمعا بالمسؤولين، وعرفا منهم أن النظام يمنع تصدير الإبل حيَّة بغرض الاتجار بلحومها، ولكن من الممكن السماح بعمل مكاتب ومسالخ لها، وذبح الجمال حسب الشريعة الإسلامية، ثم تصديرها لحوماً، بحراً وجواً، بعد التقيد بالشروط الصحية.
غير أن ما أحبط مشروعهم أن السلطات اشترطت ألا يذبح أي جمل هناك إلا بعد أن يبلغ السنة الرابعة من عمره، وانطبق عليهم المثل المصري القائل: «جت الحزينة تفرح، مالقتلهاش مطرح». وبما أن لا «حواشي» هناك، فقد فسدت الطبخة، ورجع الاثنان بخُفي حنين، وحلَّ الشبان الخمسة الشركة بالتراضي بينهم قبل أن تبدأ.
وعلى فكرة، هناك فتوى من شيخ معتبر – أحتفظ باسمه - يقول فيها بالحرف الواحد: «إن الإبل بداخلها جن، وإنه يجوز أكل لحوم الجن التي تتشكل في صورة الإبل والماشية».
ودلل على أن بداخلها عفاريت، بعدم جواز الصلاة في الأماكن التي توجد فيها الإبل.
وعندما عارضه البعض قال: «نحن نأخذ بما صح عن المنقول، لا بما تستحسنه العقول».
المشكلة أنني تأثرت بفتوى ذلك الشيخ، وغدوت لا أشاهد جملاً إلا وأبتعد عنه فزعاً، متخيلاً أنه جنِّي.