محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

حالة التيه والرؤية

كلما رأيت مؤسسة أو قيادياً يتخبط في قراراته، تذكرت رواية «أليس في بلاد العجائب» التي كتبها عالم الرياضيات الإنجليزي تشارلز دودغسون، في نهاية القرن الـ18، باسم مستعار، خشية تندر الناس منه. غير أنه قد ضرب في قصته «الوتر الحساس» كما يقال، أو نكأ جراح البعض ممن يعاني من تخبط القياديين من حوله. وذلك حينما ذكر قصة «أليس» الخيالية، التي سقطت في جحر أرنب فتاهت به إلى بلاد العجائب. حيث سألت قطة رأتها صدفة: أي طريق يمكنني أن أسلك؟ فقالت القطة: هذا الأمر يعتمد على وجهتك المقصودة. فقالت «أليس»: لا أعلم. فردت القطة: إذن لا يهم أي طريق ستسلكينه!
تذكرت هذه القصة وأنا أصغي باهتمام أمس، إلى الأيقونة روبرت كابلان، الباحث الشهير في جامعة «هارفارد»، حينما «قلَّبَ المواجع»، وذلك في ندوة دُعيت إليها من قبل برامج «كفو» المنبثق من الديوان الأميري في الكويت. حيث قال إن بعض الجهات الحكومية في العالم تنقصها الرؤية الواضحة حتى تصل إلى مبتغاها.
وتكمن أهمية حديثه في أنه صاحب الفكرة العلمية الشهيرة، بطاقة الأداء المتوازن (balanced scorecard) التي أوجد من خلالها آلية ربط آنية لأعمال المؤسسات أو قراراتها الحالية بأهدافها الكلية، سواء كانت مادية أو معنوية. فمع هذه البطاقة يصعب أن يغرد القياديون بقراراتهم خارج السرب، أو بعيداً عن الرؤية أو الأهداف العامة المرسومة.
ومع أن هناك أخذ ورَد في قضية مدى مواءمة هذه البطاقة للأداء الحكومي من عدمه، فإن واقع الحال يشير إلى أن بعض المؤسسات ما زالت تصدر قرارات مكلفة، وبعيدة كل البعد عن الخطة العامة. هذا بافتراض أنها تتمتع بخطة أو استراتيجية أصلاً. ولذا نجدها تراوح في مكانها أو تنحرف عن جادة الخطة. ذلك أن مَن لا يتحلى بأهداف مكتوبة وواقعية فإنه مثل مَن يمضي جُل ساعات النهار في سيارته، ولم يبلغ بعد وجهته المقصودة. والسبب أنه لم يحدد اتجاهه. فيصبح ريشة في مهب الريح.
وهذا يعني أن المؤسسات والأفراد حينما يخططون ويلتزمون برؤيتهم، فإنهم على الأقل ينجون من حالة التيه. فلا توجد خطة مضمونة في العالم. كل ما في الأمر أننا نحدد وجهتنا عبر رؤية وأهداف ذكية، وننطلق مع زادنا في تلك الرحلة. إذا لم نصب الهدف فإننا على أقل تقدير قد اقتربنا منه. ويعد هذا بحد ذاته إنجازاً أفضل من حالة «التوهان» التي عاشتها «أليس» في بلاد العجائب!