مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

أريد أن أحيا

أريد أن أفسح المجال في عمودي اليوم بكامله لكاتبة اسمها (سوزان جوردن)، وهي كاتبة تصف نفسها بأنها من الطراز القديم، وتواجه القرن الحادي والعشرين بلافتة كُتب عليها: (أريد أن أحيا)، وتقول: تجد من الناس من يولد في زمن لا يناسبه، وأنا لا شك واحدة من هؤلاء.
أما دلائل وجودي في هذا الزمن الخاطئ فهي قائمة حولي في كل اتجاه، فرفوف مكتبتي مليئة بروايات القرن التاسع عشر، وبيتي يخلو من آلات تجهيز الطعام الحديثة، وأنا أعاقب أطفالي عقاباً بدنياً، وأؤمن بأن المواد الكلاسيكية يجب أن تدرس في جميع المدارس، لا أن تلغى من برامج الدراسة، كما أؤمن بالواجب والعمل والإخلاص والمعاناة، وأعتقد أن الإفراط في الترفيه والتسلية أمر سيئ.
وأنا لا أتحدث لغة القرن الحادي والعشرين، فلست أريد أن أشارك أحداً آخر همومه، أو أن أيسر أو أنفذ أو أجمع المعلومات، أو أن تصبح جهودي جزءاً من الجهد الجماعي أو أن أنشئ علاقة ذات مغزى، لكني أفضل أن أفعل هذه الأمور عينها تحت أسماء الحب والمساعدة والعمل والفهم والزواج، أي أني أريد كلمات حقيقية تقطعها فترات صمت حقيقية.
أريد الأشياء الحقيقية، وأتوق إلى رؤية الرؤوس التي يتوجها شعر لم تقصه يد الحلاق على غير طبيعته، والوجوه المجعدة والأيدي الخشنة والأظافر المتسخة والعيون التي تبرق فيها الحياة والنشاط، أريد أمهات تفوح منهن رائحة الطهو وآباء تفوح منهم رائحة الجد والرصانة... أريد قهوة لها رائحة القهوة، وزهوراً حديثة القطف، وحشائش طبيعية ومدارس تؤدي مهمة المدارس.
أما نزاعات القرن الحادي والعشرين الاستعراضية كلها فإنها ليست مسلية ولا ظريفة على الإطلاق، فقد سئمت أهل الفكر المتحذلقين، والبيروقراطيين المتلعثمين المتنوقين، والتكنوقراطيين من عشاق الأرقام، والنظريات المبسطة، والإحصاءات، والعيادات الجنسية، والكتب التي توضح لك كيف تفعل هذا أو ذاك، ومصطلحات البيع المفرط والقيمة المتدنية وما إلى ذلك.
أريد أن أفكر في الله، وأن أضحك من أعماق قلبي، أريد الحقيقة، أريد الحياة، ولا أريد مجرد أسلوب أو طراز للحياة.
إن المكان الذي أريد أن أكون فيه هو بيتي، وعندما يشبع الناس المتملقون بما يسمى القرن الحادي والعشرين من هذرهم الغزير، فقد يتقدم أحد آنئذ ليشعل المصباح ويمهد وسائدهم ويكشف لهم أغطية الفراش ويهيئ لهم مكاناً يريحون فيه رؤوسهم المتعبة، هذا هو ما آمل فيه على أي حال - انتهى.
وسواء اتفقنا أو اختلفنا معها، فهذا هو رأيها، ووضعته كما هو من دون زيادة أو نقصان.