Nosferatu (1922)
جذور سينما الرعب ذات الفن والرسالة
عندما تقدم المخرج فردريش ولهلم مورنو من أرملة الكاتب برام ستوكر للحصول على موافقتها لتحقيق رواية زوجها «دراكولا»، امتنعت وهددت برفع قضية. في محاولة لتفادي هذا الوضع، غيّـر المخرج الألماني عنوان الفيلم من «دراكولا» إلى «نوسفيراتو»، كما في الرواية الأصلية. رغم ذلك اضطر لاحقاً إلى إتلاف نسخ الفيلم بعدما لجأت أرملة الكاتب إلى القضاء. من حسن الحظ أن الإتلاف لم يشمل النسخ التي كانت غادرت ألمانيا إلى دول أخرى؛ لذلك لا يزال الفيلم حيّـاً وتأثيره اليوم قوياً كما كان دوماً.
أصل كلمة «نوسفيراتو» في الكلمة اليونانية «نوسوفوروس» Nosophoros، ومعناها ناقل العدوى. وحين يكتب بعضنا عن أن كلمة نوسفيراتو تعني مصاص دماء، أو أنه مجرد تنويع لكلمة دراكولا، فإن هذا ليس دقيقاً؛ فاسم الشخصية هنا هو «كونت أورلوك» الذي يسكن قصراً بعيداً يرفض الجميع الاقتراب منه باستثناء هاتر (غوستاف ڤون وانغنهايم)، ذلك الموظف البسيط في وكالة عقارات الذي يطلب منه التوجه إلى ذلك القصر ليأخذ توقيع الكونت أورلوك (ماكس شرَك) على عقد بيع مبانٍ متداعية قديمة في البلدة. هاتر مضطر إلى المهمة الخطرة؛ لأن زوجته التي يحب إلين (غريتا شرودر) عليلة. هناك مشهد فراق طويل بينهما قبل أن يستقل هاتر العربة.
سائق العربة ينقله إلى منزل يقع في الريف وصاحبه وزوجته يتوجسان شراً من هاتر بعدما أفصح عن مقصده وينصرفان وآخرون إلى الدعاء. ذئب يحوم ليلاً. شعور غامض وفزع مدهم ثم ها هو هاتر يواصل الرحلة في اليوم التالي. لكن أورلوك يريد زوجة هاتر، وسوف يزورها ليمص دمها ويتركها مريضة. من ناحيته، يحاول هاتر إيقاف هذا الاعتداء واستعادة زوجته.
«نوسفيراتو» جذور فيلم الرعب ذي الفن والرسالة عكس غالبية أفلام الرعب التي تهدف فقط لإثارة الفزع بوسائل مباشرة وعقيمة. لكن هذا الفيلم، كما حال أفلام رعب رائعة أخرى مثل «لمعان» لستانلي كوبريك أو «برام ستوكرز دراكولا» لفرنسيس فورد كوبولا، يصر على التعامل مع الحكاية المرعبة كمدخل طروحات نفسية وفكرية عميقة بإطار فني لا يتنازل عن شروطه التعبيرية.
«نوسفيراتو» عبارة عن اختيار لقطات. كل لقطة تتجانس مع الأخرى لتأليف العالم الذي تدور فيه. الحياة كئيبة حتى من قبل وصول الكونت أورلوك للسكن في البلدة التي يعيش فيها بطل الفيلم غير المنتبه في البداية إلى الخطر المحدق بزوجته. حين يقرر الكونت أورلوك تغيير مكان سكنه من الجبال القاصية، حيث يكمن قصره إلى المبنى المهجور، يستخدم سفينة بحرية ودخلها محمولاً في تابوت، لكن إذ حط الليل خرج ونشر الطاعون الذي قضى على كل ركاب السفينة وطاقمها.
الفيلم أيضاً فيلم أحلام. ليس فقط أن مصاص الدماء نوسفيراتو كان ينام طوال النهار ثم يستيقظ ليلاً كما دراكولا، بل إن الضحية التي قصد مص دمائها كان عليها أن تنام أيضاً. نوسفيراتو سيأتيها وهي نائمة؛ ما قد يعني، باستدارة كليّـة، أنها قد تكون - بدورها - شاهدت حلماً بطله مصاص الدماء نتيجة رغبة جنسية غير محققة.
أحد أهم مشاهد «نوسفيراتو» هو ذاك الذي يحمل فيه مواطنون تابوت نوسفيراتو من غير علمهم بهويته. الكاميرا تتدلى من نافذة عليا وهي ترقب التقدم البطيء لحملة النعش. حركتها وزاويتها وتوقيت المشهد من بين تلك المشاهد المنفذة بدراية. لكن هذا هو حال الفيلم بأسره أيضاً. تلك المشاهد الطويلة لرحلة هاتر إلى القصر. فصل المشاهد الذي يخرج فيها نوسفيراتو من قبره منقضاً على طاقم السفينة ناشراً الخوف والجنون مدهم وخطير. والأهم أن الفيلم نُـفذ بتلك الدراية المبكرة لتأثير السينما، صامتة وغير ملوّنة، الانطباعي والوجداني على المشاهد، وبالتالي كيفية استخدام الكاميرا لمنحها الفن الذي تنتمي إليه.