أفلام الحوارات والقضايا الصعبة تفوز غالباً

مع اقتراب موعد مهرجان «كان»

«أنا دانيال دليك» لكن لوتش (سكستين فيلمز)
«أنا دانيال دليك» لكن لوتش (سكستين فيلمز)
TT

أفلام الحوارات والقضايا الصعبة تفوز غالباً

«أنا دانيال دليك» لكن لوتش (سكستين فيلمز)
«أنا دانيال دليك» لكن لوتش (سكستين فيلمز)

في الدقيقة الخامسة من فيلم Gold Diggers of 1935 (لبزبي بيركلي، 1935) يُلقي صاحب فندق من 5 نجوم كلمة مختصرة عن واجبات العاملين والموظّفين المختلفين حيال النزلاء، تتضمن ألّا ينسى الموظف أن يكون صادق النبرة حين يقول «نعم، سير» أو «نعم، مدام» وألا يقول لزبون «لا» مطلقاً.

الجمهور الذي يستمع إليه من أعراق مختلفة (سود وبيض وسواهما) ويتطرّق في النهاية إلى موضوع «البخشيش» الذي هو أهم لهم من عدم حصول بعضهم على راتب، «لأنه أعلى من الراتب التي ستتقاضونه مني»، كما يقول ضاحكاً.

في الدقيقة الـ25 (أو نحوها) في فيلم «مثلث الحزن» (Triangle of Sadness لروبن أوستلوند، هناك المشهد نفسه إنما فوق يخت مرفّه (5 نجوم) حيث تُلقي مسؤولة الخدمات على العاملين، من أعراق مختلفة أيضاً، حواراً مشابهاً يتضمن أن يقول الخدم وموظفو المطعم بنبرة صادقة «نعم سير» و«نعم مدام» وألّا يقول أحدهم «لا» لزبون.

يختلف كل فيلم عن الآخر بناحيتين: «منقبّو الذهب، 1935» فيلم ميوزيكال و«مثلث الحزن» دراما ساخرة. الأول لم يدخل مهرجاناً ولم يفز بجائزة. الثاني دخل «كان» وخرج بجائزة السعفة الذهبية سنة 2022.

بطلا فيلم «مثلث الحزن» (إمبراتيڤ إنترتاينمنت)

صورة وحوار

لم تكن هذه المقارنة مهمّة لدى لجنة التحكيم (ترأسها الممثل الفرنسي ڤينسنت ليندون الذي كان فاز بسعفة أفضل ممثل عن دوره في Titane في العام السابق، 2021 (على افتراض بعيد بأنهم كانوا على علم بهذا التشابه) بل حقيقة أن الفيلم عاين بصورة ساخرة موضوعاً اجتماعياً بأسلوب يلتقط التفاصيل ليعرضها بضعف حجمها العادي.

فيلم قضية اجتماعية في إطار التعرّض لحياة الأثرياء المجتمعين فوق مركب (عوض فندق) والضرب الخفيف بمطرقة فوق الرؤوس لاستخراج مناسبات السخرية المنشودة حول أثرياء اليوم وسقطاتهم.

باستعادة التاريخ الحديث لجوائز المهرجان، مع اقتراب حثيث لموعد دورته العام الحالي (من 6 حتى 27) نجد أن الأفلام التي فازت بالسعفات الذهبية من 2014 إلى 2023 كانت تحمل قضايا. أو يمكن القول بأنها «أفلام قضايا» وبعضها اتّكل بشدّة على الحوارات خلال ذلك.

هذا هو المعاكس تماماً للعقد الأخير من القرن الماضي وبعض العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين. لو أخذنا الأفلام التي فازت بالسعفات الذهبية ما بين 1991 إلى العام 1999 سنجد أن فيلماً واحداً من أفلام القضايا الاجتماعية فاز بالسعفة وهو «روزيتا» للأخوين جان - بيير ولوك داردين سنة 1999. أما باقي الأفلام الفائزة فكانت من تلك التي تتضمن القضية التي تثيرها في انصهار كامل ضمن المعالجة الروائية ذات الأساليب الجمالية.

الحوار تفعيل ضروري إذا زاد عن حدّه بات على نقيض من الصورة ومن الضرورة الحتمية لتفعيل الأخيرة لأنها هي السينما والحوار، بالمقارنة، هو المسرح والراديو.

سينما الأمس والأمس القريب، كانت ما زالت أكثر اهتماماً بتفضيل الصورة على الحوار، وكانت كذلك أكثر اعتماداً على بلورة الأسلوب الذي من أجله يستطيع الفيلم إيصال ما يريد إيصاله عوض أن يلقيه أمام المشاهدين على نحو مباشر.

نجد هذا ماثلاً في «متوحش في القلب» لديفيد لينش (1990)، و«بارتون فينك» للأخوين كووَن (1991)، و«أفضل النوايا» لبِل أوغست (1992)، و«وداعاً عشيقتي» لغايكي تشن (1993)، و«بالب فيكشن» لكونتن تارنتينو (1994)، و«أندرغراوند» لأمير كوستارتزا (1995)، و«أسرار وأكاذيب» لمايك لي (1996)، و«طعم الكرز» لعباس كياروستمي (1997)، و«الأبدية ويوم» لثيو أنجيلوبولوس (1998).

من القاع

هذا لا يجب أن يعني أن هذه الأفلام (وكثير منها رائع) لا يتضمن مضامين اجتماعية أو سياسية أو أي اهتمام إنساني النشأة، بل هي على اختلاف منهج كل مخرج، تنعم بأسلوب عمل يضع «المنهج» و«الطريقة» قبل القضيّة المثارة. بعضها، مثل «بالب فيكشن» لم يحمل أي قضية استثنائية أو انتهاء لتحليل جاد. بعضها الآخر، مثل «أندرغراوند» اشتغل على تشكيل فني صوتي وبصري حافل احتوى حكايات تنتمي إلى شخصيات الفيلم المتعددة. البعض الثالث، كما حال «الأبدية ويوم» انتمى لسينما الشعر والتأمل وعرض «قضيّته» فوق بساط من المشاهد الجمالية التي لا تُنسى.

على العكس من ذلك، ولأسباب تتعلّق بنقلة ثقافية من بين أسباب أخرى، أتت الأفلام التي فازت بالسعفات الذهبية في السنوات العشر الأخيرة معاكسة.

بدءاً بالفيلم الفائز في العام الماضي، «تشريح سقوط» للفرنسية جوستين ترييه، نلحظ تركيبة بسيطة (تمهيد، محاكمة، فلاشباك) لتناول موضوع المرأة المتهمة بقتل زوجها. خلال المحاكمة تكشف عن العلاقة القائمة على الهيمنة والحرمان الجنسي من قِبل الزوج المصاب بإحباط شديد. الموضوع يطغى على الإبداع الأسلوبي في هذا الفيلم كما في فيلم «تيتان» الذي فاز بالجائزة الأولى سنة 2021 من إخراج جوليا دوكوزناو.

ليس أن هذا الفيلم، الفرنسي أيضاً، يخلو من أسلوب عمل، لكنه ليس ذلك الأسلوب الجمالي الذي يوفر المحتوى، بل هو التابع لمحتوى هو بدوره فوضوي وفي أحيان عدّة بشع.

الأمور متساوية على نحو متقارب في الفيلم الكوري «طفيلي» (Parasite) لبونغ جوون هو (2019)، ومن ثمّ غالب لصالح بصرياته في ربع الساعة الأخيرة أو نحوها. قبله بعام فاز الفيلم الياباني «نشالو المحلات» (Shoplifters) لكود إيكا كوزيكازو بالسعفة.

من «ديبان»: مهاجرون إلى بلد جديد (سيليولويد دريمز)

كلاهما يعرض وضعاً اجتماعياً لعائلتين فقيرتين باختلاف أن تلك التي في «نشالو المحلات» لا تعلو فوق السحاب لحين قبل أن تهبط مجدداً كما الحال مع «طفيلي».

في الهم الاجتماعي كذلك كان «ديبان» للفرنسي جاك أوديار خرج بالسعفة الذهبية سنة 2015. هذا فيلم صادق عن 3 شخصيات سريلانكية (رجل، امرأة، طفلة) جُمعوا من دون سابق صلة ليكونوا بمثابة عائلة واحدة ومُنحوا جوازات سفر مزوّرة لينتقلوا بها إلى فرنسا. بوصول العائلة إلى باريس يستلم ديبان وظيفة مشرف على نظافة مبنى سكني من تلك المخصصة للمهاجرين، بينما تعمل الزوجة المزيّـفة ياليني منظّـفة ترعى شؤون رجل شرس له ماض في الجريمة ولديه الآن ولد شاب اسمه إبراهيم يدير إحدى عصابات المخدرات التي تقطن ذلك المشروع السكني.

يتعامل الفيلم مع هذا الوضع جيداً، وما يُثير الاهتمام هو الفكرة الكامنة في جمع ثلاثة أفراد عليهم أن يتصرفوا كما لو كانوا عائلة واحدة وما ينتج عن هذه الفكرة من مفارقات.

عمل أوديار يبقى مثار احترام شديد لعامِلَين هما، المعالجة القريبة من الموضوع والشخصيات من دون تكلّـف، ولطرحه الموضوع الاجتماعي المثار أصلاً. هذا لم يحدث في الأفلام الأخرى المُشار إليها، مثل «مثلث الحزن» و«الميدان» (للمخرج السويدي أوسلند أيضاً) ولا بالدرجة نفسها من السّكر المُحلّى كما في فيلم «روزيتا» للأخوين داردين.

«ديبان» فيلم جيد بفضل تمسّكه بحكايات من القاع دون تلميع من أي نوع. لا يتجاوزه في ذلك سوى «أنا دانيال بليك» الذي خرج فائزاً بالسعفة في السنة التالية لفوز فيلم أوديار كما لو كان هذا تأكيداً على الرغبة في تشجيع الأفلام التي تدفع باتجاه الاهتمام بمهمشي الحياة.

«أنا دانيال بليك» (I‪,‬ Daniel Blake) حمل الاهتمام نفسه بالمجتمع الدوني، كحال معظم أفلامه التي تتحدث عن رجال ونساء من الطبقة التي لا تملك وهي تحاول فقط دفع فواتير الحياة ووضع بعض الطعام على الطاولة. «آسف، افتقدناك» (للمخرج نفسه، 2019) لم ينجز السعفة على الرغم من إتقان لوتش الدائم لتفاصيل الحياة اليومية وإيصال مفعول المعالجة الدرامية ومتطلباتها في مقابل نقل صدق الوضع الذي يصوّره.

اعتبار صارم

قبلهما، سنة 2014، مُنح «نوم شتوي» (Winter Sleep) للتركي نوري بيلج جيلان، سعفة المهرجان الفرنسي، ومن اللافت أن الفيلم يقوم على حوارات طويلة تقع، في معظمها، داخل غرفة واحدة على عكس أعمال المخرج نفسه السابقة التي حملت انتماءً لسينما أندريه تاركوڤسكي وثيو أنجيلوبولوس.

المشاهد الخارجية لا تزيد على 25 دقيقة وهي الوحيدة الباقية من اهتمام المخرج السابق بالأماكن البعيدة والوحيدة إلا من بعض شخصياتها. هذا من أصل نحو 3 ساعات مدفوع باتجاه تشكيل مسرحي لحكاية رجل وامرأتين يعيشون في تلك القرية الأناضولية المعزولة. لاحقاً ما احتفت أفلام هذا المخرج بالحوار على حساب الصورة. مشهد حوار من ربع ساعة بين صاحب مكتبة ومؤلّف (في «شجرة الإجاص البري»، 2014) لا يمكن له إلا أن يكون نقيضاً لتفعيل فن السينما على ما عاداه.

اعتماد هذا الفيلم، وأفلام أخرى وردت في هذا الاستعراض خلال الأعوام العشرة الأخيرة (وبل العشرين سنة الأخيرة إذا ما شئنا العودة إلى الوراء أكثر)، على الحوار لا يخلو، في اعتبار صارم، بمناهضته روح السينما القائمة، أساساً، على تفعيل الفن ليسبق المضمون وليس تفعيل المضمون ليسبق ما يمكن القيام به من أسلوب.

في حين لا ينادي أحد أن تكون الأفلام البصرية والتأملية خاوية، وهناك ما هو ممتاز وأقل من ذلك منها، فإن الأفلام التي تعتمد على العرض الاجتماعي بدورها لديها همّ تطويع المضمون لمعالجة فنية في الأساس كما حال «أنا، دانيال بليك» الذي لا يتمتع ببصريات أخاذة، بل بالشغل على الواقع المٌعاش كغطاء وكأرضية لما يُسرد أمام الكاميرا من شخصيات وأحداث.

تقييم الأفلام الفائزة بالسعفة ما بين 2014 و2023

2014: Winter Sleep إخراج: نوري بيلج جيلان (تركيا) ★★★

2015: Dheepan إخراج: جاك أوديار (فرنسا) ★★★

‫2016: I, Daniel Blake‬ إخراج: كن لوتش (بريطانيا) ★★★★

‫2017: The Square‬ إخراج: روبن أوستلوند (السويد) ★★★

2018: Shoplifters إخراج: كود إيدا كوريكازو (اليابان) ★★★

2019: Parasite إخراج: بونغ جوون هو (كوريا الجنوبية) ★★★★

2020: أُلغيت الجوائز بسبب «كورونا»

‫2021: Titane ‬ إخراج: جوليا دوكرناو (فرنسا) ★

‫2022: Triangle of Sadness‬ إخراج: روبِن أوستلوند (السويد) ★★★

2023: Anatomy of a Fall إخراج: جوستن ترييه (فرنسا) ★★★


مقالات ذات صلة

عمرو يوسف: أراهن على دوري المختلف في «درويش» بموسم الصيف

يوميات الشرق عمرو يوسف في احد مشاهد فيلم "درويش"  (الشرق الأوسط)

عمرو يوسف: أراهن على دوري المختلف في «درويش» بموسم الصيف

يخوض الفنان المصري عمرو يوسف سباق موسم الصيف السينمائي بفيلم «درويش»، الذي عدَّه من الأفلام الصعبة إنتاجاً وتنفيذاً.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثلة الفرنسية جولييت بينوش في كان (أ.ف.ب)

رئيسة لجنة مهرجان «كان» توجه تحية لمصورة فلسطينية قُتلت في غزة

وجهت رئيسة لجنة تحكيم مهرجان «كان» السينمائي الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، الثلاثاء، في افتتاح هذا الحدث، تحية إلى روح المصورة الصحافية الفلسطينية فاطمة حسونة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق هيفاء وهبي ممنوعة من الغناء في مصر (حسابها على فيسبوك)

هيفاء وهبي مهددة بالمنع من التمثيل في مصر

تصاعدت أزمة منع الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي من العمل في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
سينما المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

يعدّ المخرج المصري يسري نصر الله من المخرجين القلائل الذين سعوا لتحقيق المعادلة الصعبة بين السينما الهادفة المرتبطة بالنخب، والسينما التجارية التي تتجه للجمهور.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان غوتز فاليان (غيتي)

غوتز فاليان... الديناصور الأخير في غابة السينما اليدوية

على مدار أكثر من 30 عاماً، ظلَّ الفنان النمساوي المولد، يعتاش من رسم بوسترات الأفلام الضخمة يدوياً، لتزيِّن أعرق دور العرض السينمائية في العاصمة برلين.

«الشرق الأوسط» (برلين)

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
TT

يسري نصر الله: أفلامي شعبية... والسينما التجارية «على كف عفريت»

المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)
المخرج المصري يسري نصر الله (الشرق الأوسط)

يعَدّ المخرج المصري يسري نصر الله من المخرجين القلائل الذين سعوا لتحقيق المعادلة الصعبة بين السينما الهادفة المرتبطة بالنخب، والسينما التجارية التي تتجه للجمهور وتراهن على شباك التذاكر، ويرى نصر الله أنه مخرج «أفلام شعبية»؛ فجميع الموضوعات التي تناولها من البيئات الشعبية وتعبر عن طبقات شعبية.

وفي حواره مع «الشرق الأوسط» تحدث يسري نصر الله عن «صناعة السينما باعتبارها الهاجس الأكثر أهمية وإلحاحاً لديه»، ويقول صاحب «مرسيدس» و«سرقات صيفية» و«صبيان وبنات» و«احكي يا شهرزاد» إن «السينما تنهار»، ووصف السينما التجارية التي تراهن على شباك التذاكر بأنها «على كف عفريت».

وقال إن «السينما تحتاج إلى شيء جوهري، وهو عودة الجمهور إلى دُور العرض، هذه العادة اختفت، ولم يعد هناك مشوار السينما المعتاد، مثلما كانت في الحي الذي تسكن فيه. السينما الآن في المولات، وتحتاج إلى سيارة لتذهب إليها، والتذكرة تصل إلى 250 جنيهاً، وأقل تذكرة بـ100 جنيه، وهذا مبلغ كبير»، وحكى نصر الله عن موقف شاهده وهو ذاهب لرؤية فيلم لمحمد سعد في السينما، حيث سأله شاب: «أيهما أفضل الصالة أم البلكون؟ ما يعني أن ثقافة السينما ومعرفة الجمهور والأجيال الجديدة بدور العرض وارتباطهم بها؛ كلها أمور أصبحت غائبة تماماً عنهم الآن».

الملصق الدعائي لفيلم «احكي يا شهرزاد» (سينما. كوم)

وقبل عام تقريباً شارك نصر الله في مهرجان «كان» بصفته رئيس لجنة تحكيم لمسابقة الأفلام القصيرة، وقبل أيام شارك في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة بصفته رئيس لجنة تحكيم مسابقة الاتحاد الأوروبي للفيلم الأورومتوسطي، وعن أفلام المهرجانات يقول: «هناك أفلام جيدة جداً، لكن الرهان هل هذه الأفلام تحفز الجمهور ليذهب إلى السينما؟ المشكلة التي عرفتها أن دور العرض لا تستغل المهرجانات، خصوصاً التي تقام في الأقاليم بعيداً عن مركزية العاصمة القاهرة، بطريقة جيدة لجذب الجمهور واستعادة ثقافة دخول السينما».

وعن تأثير المنصات الجديدة على ذهاب الجمهور للسينما، قال: «بالطبع تؤثر سلباً، فالمستقبل للمنصات، ونلاحظ أن سينمات الأحياء تغلق أبوابها الواحدة تلو الأخرى».

ورداً على سؤال حول طبيعة سينما يسري نصر الله التي تهتم بالجماليات الفنية أكثر من البحث عن الجمهور أو الرهان على شباك التذاكر، قال: «أنا أصنع الفيلم كما يجب أن يكون في تصوري»، مضيفاً: «أقدم أفلاماً شعبية، حين أقدم فيلم (صبيان وبنات) في نزلة السمان هو موضوع شعبي، وكذلك (الماء والخضرة والوجه الحسن)، وغيرهما من الأفلام. الفيلم الذي قد يبدو صعباً هو (جنينة الأسماك)؛ حيث إن الصعوبة هي الرهان على الموضوع. فقد صنعت (سرقات صيفية) من دون نجوم، وعبلة كامل وقتها لم تكن نجمة، ورغم ذلك حقق الفيلم نجاحاً لافتاً، البعض كان يرى فيلم (مرسيدس) صادماً، لكن مع الوقت اختلفت الرؤية، والبعض يتعامل معه الآن على أنه فيلم كوميدي؛ فالأجيال الجديدة تشاهده وتضحك».

فيلم «باب الشمس» من إخراج يسري نصر الله (سينما. كوم)

وعن ابتعاده عن السينما التجارية، قال: «لم يحدث أن تعرض منتج للخسارة من أفلامي، لكن للأسف السينما بشكل عام تعاني، ولم تعد صناعة السينما صحية». وتابع: «اليوم لدي صعوبة في صناعة أفلامي؛ لأن السينما انهارت في حد ذاتها، حتى ما يطلق عليه البعض سينما تجارية أصبحت (على كف عفريت)، البعض يصنع أفلاماً لأسواق بعينها، وهذا ليس سيئاً؛ فالمهم أن تستمر صناعة السينما... حين يصنعون فيلماً مثل (الحريفة) وينجح يكررون التيمة (الحريفة 2) وهكذا، ولكن لا يوجد تيار أو خطة تضمن استدامة هذه السينما»، وتابع: «حين كانت لدينا سينما تجارية حقيقية، كان الجميع يستطيع العمل مثل محمد خان وحسن الإمام وخيري بشارة وداود عبد السيد وغيرهم، كان لهم مكان ويحققون أرباحاً، لكن الآن دُور العرض فارغة، وتذكرة السينما وصلت إلى 250 جنيهاً (الدولار يساوي 50.64 جنيه مصري) فكيف تصبح السينما تجارية؟ كيف تجذب الجمهور البسيط من الشارع للصالات؟ هذه الثقافة لم تعد موجودة للأسف».

وعن رؤيته لصناعة السينما في السعودية خلال الفترة الأخيرة، قال: «السعودية بها أكبر سوق للفيلم المصري، وأرى لديها إمكانيات لصناعة سينما حقيقية، وهناك مخرجون سعوديون رائعون يعبرون عن قضايا وموضوعات المجتمع السعودي بشكل رائع، ويستطيعون الاستعانة بنجوم من مصر، لكن لا أعتقد أنني بصفتي مخرجاً مصرياً أستطيع تقديم فيلم عن السعودية؛ فلديهم مخرجون قادرون على فعل ذلك أفضل مني، وقد شاهدت أكثر من فيلم سعودي جيد جداً، وبهذه الأفلام هامش حرية أكبر بكثير من المتاح في مصر»، وتابع: «لكن إذا أتيح لي صناعة فيلم مصري في السعودية سأفعل ذلك، بحيث يكون الموضوع مصرياً وكذلك الأبطال، وتم تصويره غالباً في مصر، وإذا تعثرت في مصر وعُرض علي استخدام الاستوديوهات والإمكانيات الموجودة في السعودية سأفعل ذلك».

وأضاف نصر الله: «منذ سنوات ونحن نطالب بانفتاح مصر على تصوير الأفلام العالمية، وللأسف هذا لا يتم رغم ما لدينا من إمكانيات».

ولصناعة أفلام قادرة على الاستمرار، قال صاحب «باب الشمس»: «على كل مخرج أن يعيش عصره، أفلامي وأفلام محمد خان ويوسف شاهين وغيرها تعيش حتى الآن لأنها عاشت حاضرها، واستمتعت بهذا الحاضر، وتعبر عنه، حتى لو عبرت عنه بلؤم، فمثلاً فيلم (سيكو سيكو) أراه فيلماً رائعاً، لأنه يعبر عن عصره صناعه، فعلاقة الأجيال الجديدة بالدنيا تجعلهم يشاهدون أشياء ربما لا نستطيع فهمها، وحين يصنعون أفلاماً ستكون من بعدٍ مختلف، لا يمكن أن يصنعوا أفلاماً تشبه أفلامنا، ولا أنا أستطيع صناعة فيلم يشبههم، المهم صناعة فيلم جيد، ومعنى فيلم جيد هنا هو أن يعبر عن علاقة صانعي الفيلم بالعالم في لحظته الراهنة، ومن ثم يصل إلى وجدان المتلقي».