جوزيف لوزاي المخرج الذي ضلّ طريقه وسط متاهاته

هرب من «المكارثية» وفتح صفحة جديدة

جوزيف لوزاي (ذا تلغراف)
جوزيف لوزاي (ذا تلغراف)
TT

جوزيف لوزاي المخرج الذي ضلّ طريقه وسط متاهاته

جوزيف لوزاي (ذا تلغراف)
جوزيف لوزاي (ذا تلغراف)

بعد نحو شهر تمرّ الذكرى الأربعون على وفاة المخرج جوزيف لوزاي عن 75 سنة قضاها بين المسرح والسينما، وبين العمل في الولايات المتحدة وبريطانيا غالباً. هذا مخرج ما زال يُثير اللغط بين منتقدين ومؤيدين، العدد الجديد من مجلة «سايت أند ساوند» يطرحه عملاقاً بين أترابه. هو بالتأكيد مهم في زمنه ويستحق اليوم إعادة اعتبارٍ، لكنه نوع من المخرجين الذي أصاب وخاب أكثر من مرّة.

لن تمرَّ الذكرى من دون مواكبة. أحد أبرز أفلامه، «مستر كلاين» سيُعاد عرضه في بعض الصالات الكندية في الأسبوع الأخير من الشهر المقبل، ومن المتوقع أن يُقيم «معهد الفيلم البريطاني» عروضاً لعدد من أفلامه، بما فيها «الحادث» و«الخادم»، اثنان من أشهر أعماله في الستينات.

جين مورو وألان ديلون في «مستر كلاين» (ليرا فيلمز)

كذلك يرِد ذكر لوزاي في فيلم جديد عرض في تظاهرة أقامتها السينما الفرنسية في معهد الفيلم الأميركي في مطلع هذا الشهر عنوانه (Little Blue Girl) للمخرجة مونا أكاش وبتعليق من الممثلة الفرنسية ماريون كوتيار.

هو فيلم عن الممثلة كارول أكاش (عُرفت أيضاً باسم كارول لانغ) التي انتحرت، صمتاً، في عام 2016 بعد أن شهدت أفول أحلامها أن تصبح ممثلة معروفة، ناهيك عن أن تكون مشهورة. جرّبت العمل في السبعينات، لكنها بقيت من الممثلات اللواتي يمرّن تحت رادار الشهرة. ذِكر جوزيف لوزاي يأتي واحداً من المخرجين الذين أسندوا لكارول أكاش دوراً في أحد أفلامهم.

الفيلم هو «مستر كلاين»، إنتاج فرنسي - إيطالي عن الفترة التي احتلت ألمانيا فرنسا في الحرب العالمية الثانية. أخرجه لوزاي سنة 1978. والدور كان فعلاً ثانوياً يمكن لأي ممثلة أخرى القيام به.

لأسباب قد لا تكون محض سينمائية، اعتُبر هذا الفيلم من بين أفضل أفلامه في تلك الفترة. هو بالتأكيد أفضل من أفلامه السابقة في السبعينات ومنها «اغتيال تروتسكي» (1972) و«منزل دُمية» (A Doll’s House). بعده. وفي حين تم تدريس فيلمه «الخادم» (1963) في «لندن إنترناشيونال فيلم سكول» وشبع عروضاً في مواسم احتفائية بالمخرج، إلا أن التباين بين فيلم وآخر، من حيث القيمة الفنية، تنوّع كثيراً.

حكاية تزوّجت شيوعياً

في الثلاثينات كانت موسكو واحدة من المحطات الفنية التي أراد عدد من المثقفين والفنانين الأميركيين التعرف عليها من كثب. لوزاي كان واحداً منهم سنة 1935 وهناك تعرّف على برتولت بريشت والموسيقار هانز إيسلر وحين عاد إلى نيويورك استكمل ما كان بدأه وهو الإخراج المسرحي، متأثراً، حسب كتاب ديفيد كوت «جوزيف لوزاي: انتقام ضد الحياة» (1994) ببعض ما تعرّف عليه في تلك الزيارة ثقافياً وسياسياً.

القول إنه كان يسارياً أمر شائع، وهو تعرّض للحملة المكارثية في أواخر الخمسينات بعدما عُرف عنه انتماؤه للحزب الشيوعي الأميركي. حينها كان لوزاي يعمل لحساب شركة RKO التي قام هوارد هيوز بشرائها وهيوز أراد التأكد من ولاء المخرجين الذين يعملون للشركة ومعرفة ميولهم السياسية، أهي وطنية أم لا، فعرض على 13 منهم مشروع فيلم معاد للشيوعية عنوانه «تزوّجت من شيوعي» (I Married a Communist) وفي البال أن من سيرفض إخراج هذا الفيلم لا بدّ لديه ميول شيوعيّة.

من «الوسيط» (إي أم آي)

لوزاي من بين الذين رفضوا المشروع قبل أن يعلم أنها مصيدة (وافق على إخراجه روبرت ستيفنسن) وفي حين عرض عليه محاميه أن يتطوّع للإدلاء بشهادته أمام المحكمة المكارثية، فضّل لوزاي مغادرة أميركا إلى بريطانيا وبذلك كان واحداً من ثلاثة مخرجين معروفين تركوا هوليوود إلى أوروبا. الآخران هما تشارلي تشابلن وجولز داسين.

أحد أفلامه الأولى كان «الصبي ذو الشعر الأخضر» الذي أريد به أن يكون رمزياً لحق اختلاف صبي (دين ستوكوَل) عن الآخرين ثقافياً. فيلمه اللاحق (1949) كان «الخارج عن القانون» (The Lawless)، الذي قدّم فيه حكاية عمّال مكسيكيين متّهمين بارتكاب جريمة قتل. ليس أن المخرج أدان العنصرية البيضاء فقط، بل أظهر عداءه لعصبة من الشبّان البيض الذين يقتحمون غرفة صحافي أبيض ويبعثرون محتويات مكتبه في رمز آخر يُراد به القول إن اليمين معادٍ للثقافة والمثقفين.

حقبة جديدة

في بريطانيا، سعى لوزاي لبداية جديدة. ويُلاحظ أنه عمد في بعض أفلامه الأولى هناك لتغيير اسمه، فهو أندريا فرزانو عندما حقق «غريب خفي» (1952) وجوزيف والتون في «أصبح الاتهام» (1956) وسحب اسمه بالكامل من فيلم عنوانه «إكس المجهول» (X the Unknown) سنة 1956.

أعماله المحسوبة بجدارة بدأت في «الملعون» (1962) الذي تبعه بفيلم جيد آخر (ضمن حدود تلك الفترة على الأقل) وهو «إيڤ»، وفيه يلتقي المخرج مع بطله (ستانلي بايكر) في انعكاس مثير للاهتمام. فبايكر في الفيلم كاتب مشهور وناجح، لكنه يعلم في داخله أنه ليس بالقيمة الأدبية التي يحيكها الآخرون عنه. هذا يكاد أن يكون موقف لوزاي من نفسه مخرجاً بدأ يضع قدميه على طريق الشهرة بوصفه واحداً من جيل الستينات البريطانية (الحقبة التي شهدت ولادة «السينما البريطانية الجديدة» مع توني رتشردسن، وليندساي أندرسن، وكارل رايز) لكنه يحمل في داخله شكوكاً عن جدارته وهويّته الفنية وكيف سيحققها.

لكنه حقق نفسه عندما أخرج «الخادم» (1963) عن خادم (ديرك بوغارد) يبدأ العمل لدى رجل ثري (جيمس فوكس)، سريعاً ما يبدأ الخادم بممارسة الرغبة في استحواذ صاحب البيت وتلبيته بأي شكل. في أكثر من مشهد يحاول استبعاد خطيبة فوكس (سارا مايلز) راغباً في أن يحلّ محلها حتى عاطفياً.

بعد هذا الفيلم تدحرج لوزاي صوب أعمال اعتُبرت من أسوأ ما مرّ على شاشات تلك الفترة ومنها «ملك ودولة» (1964) و«مودستي بليز» (Modesty Blaise) (1966).

هذا الأخير كان محاولة من لوزاي لدخول سينما البطولات القائمة على الخيال المطلق. بطلته (مونيكا ڤيتي) هي من سلالة الشخصيات الكوميدية التي ظهرت في هوليوود قبل هذا الفيلم وبعده. المدافعون عن الفيلم، وهم قلّة، اقترحوا أن المخرج أراد السخرية من البطولة الفارطة، لكن الآخرين أشاروا إلى أن السخرية عليها أن تأتي ضمن مستوى فني مسؤول، وليس تبعاً لمنهج فوضوي لم ينجُ المخرج منه.

أعمال كبيرة

الصراع في «مودستي بليز» هو، مثل «إيڤ» و«الخادم» صراع على من يمسك السُلطة. من هو الأقوى؟ من له اليد العليا أو من يحاول محاذاته؟ «حادثة» (1967) كان كذلك من هذا النوع. يشترك مع «الخادم» في أكثر من منحى. هو واحد من أفلام لوزاي الأفضل دراما، وهو من كتابة المسرحي هارولد بنتر كحال الفيلم السابق، ويدور حول علاقات عاطفية تمتد بالطول والعرض. الأستاذ ستيفن (بوغارد) يخون زوجته. زميله في التعليم (بايكر) يستغل غياب ستيفن عن منزله ليمارس الحب مع الطالبة آن (جاكلين ساسارد) المخطوبة لطالب آخر هو ويليام (مايكل يورك) الذي يُقتل في حادثة سيارة قد تكون مدبّرة.

خروج لوزاي من ورطة صعود وهبوط مستويات أفلامه كان ضرورة أدّت إلى تبنيّه أعمالاً أكبر حجماً من تلك السابقة وأكثر اعتماداً على مصادر تاريخية وأدبية.

في 1971 أخرج «الوسيط» (The Go-Between) عن رواية لسلي هارتلي بالعنوان نفسه تنتمي إلى أدب مطلع القرن العشرين تاريخ أحداث وتدور حول الانتقال من سن البراءة إلى فترة الاكتشاف العاطفي. جوليا كريستي وآلان بايتس تقاسماً البطولة. السيناريو لهارولد بنتر (ثالث مشاركة) والفيلم كان نقلة صوب الرومانسية كما لم يفعل لوزاي من قبل.

اختياره الكبير الثاني كان «اغتيال تروتسكي» الذي لم يتميّز إلا باسمين كبيرين: جوزيف لوزاي مخرجاً، وريتشارد برتون ممثلاً دور الشيوعي المغضوب عليه. عوض الثقة بالتاريخ الذي نهل منه المخرج ما أراد، ميّع لوزاي الموضوع بحيث عكس وجهة نظر غير ثابتة لا تعادي ولا تؤيد ولا حتى تعرف إلى أين تتجه.

بعد أربع سنوات حاول لوزاي العودة إلى التاريخ وهذه المرّة بقدر من التعاطف مع الشخصية الرئيسية (آلان ديلون) في أزمتها إذ يعيش تحت خطر الاعتقال من قبل السلطات النازية أو الفرنسية المتعاونة معها كونه يهودياً.

تطلّب الأمر نوعاً من مراجعة الذات قبل أن نرى لوزاي يستعيد بعض قدراته السابقة، لكنها ليست استعادة كافية. الفيلم هو «السلمون» (La Truite) مع إيزابيل أوبير وجين مورو (التي مثلت تحت إدارته في أكثر من فيلم). حكاية الفتاة الفقيرة من الريف الفرنسي وكيف تسلقت سلّم الشهرة والمال، لكنها انتهت للعمل في مزرعة سمك كتلك التي انطلقت منها. القصة بكاملها غير مثيرة ولا تستأهل 20 عاماً يقول المخرج إنه أمضاها يحلم باليوم الذي ينقل فيه رواية روجيه ڤيلان إلى الشاشة.

رغم كل متاعبه مع نفسه وبحثه الذي عمد إليه عن قيمة فعلية دائمة، تعثّر لوزاي في خطواته أكثر من مرّة. أفلامه الجيدة القليلة وتلك التي خرجت عن سكة الحديد لأسباب تتعلّق برغبات فنية لم يستطع توفيرها تعكسان فناناً ما زال يستحق الدراسة وبعض هذا الاستحقاق يتبلور اليوم من بعض النقاد الذين يعاودون مشاهدة أعماله لأجل تقييم مختلف وصعب.


مقالات ذات صلة

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

يوميات الشرق «الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر الحالي.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)

المخرجة سارة جوهر: «عيد ميلاد سعيد» ينافس بقوة على «الأوسكار»

تؤكد المخرجة المصرية سارة جوهر أن قوة فيلمها تكمن في قدرته على التأثير في المشاهد، وهو ما التقطته «فارايتي» بضمّها لها إلى قائمتها المرموقة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)

«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

رغم التحديات الأمنية واللوجيستية وعزلة القرية في غامبيا، فإن المخرج البلجيكي يشعر بالرضا عن التجربة التي خلّدت اسم «باتيه سابالي».

أحمد عدلي (الدوحة)
يوميات الشرق بوستر الوثائقي السعودي «سبع قمم» (الشرق الأوسط)

من «المنطقة المميتة» إلى شاشات جدة... حين تتحوَّل القمم إلى مرآة للإنسان

قدَّم وثائقي «سبع قمم» سيرة رجل فَقَد ملامح المدير التنفيذي عند «المنطقة المميتة» في "إيفرست"، ليبقى أمام عدسة الكاميرا إنساناً يسأل نفسه: لماذا أواصل؟

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق النجم الأميركي ليوناردو دي كابريو (رويترز)

ليوناردو دي كابريو يحذر الممثلين الشباب من خطأ واحد يضر بمسيرتهم

أصدر النجم ليوناردو دي كابريو تحذيراً للممثلين الشباب، موضحاً سبب رفضه عروضاً ضخمة في بداية مسيرته الفنية الحافلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«البحر الأحمر» يكشف عن أفلام سعودية جديدة

«ما بقي منك» لشيرين دعيبس (ملف مهرجان البحر الأحمر)
«ما بقي منك» لشيرين دعيبس (ملف مهرجان البحر الأحمر)
TT

«البحر الأحمر» يكشف عن أفلام سعودية جديدة

«ما بقي منك» لشيرين دعيبس (ملف مهرجان البحر الأحمر)
«ما بقي منك» لشيرين دعيبس (ملف مهرجان البحر الأحمر)

افتتح مهرجان «البحر الأحمر» دورته الخامسة، يوم الخميس، بفيلم بريطاني الإنتاج عنوانه «عملاق» (Giant)، ويستمر حتى 13 من الشهر الحالي، كاشفاً عن 139 فيلماً تتوزّع على 13 قسماً، من بينها مسابقات لأفلام طويلة وأخرى قصيرة تهدف إلى نيل جوائز المهرجان الرسمية حال إعلان النتائج في الليلة الأخيرة من الدورة.

«عملاق» اختيار صائب على مستويين: الأول أنّه العرض الثاني فقط عالمياً، إذ سبق لمهرجان «لندن السينمائي» أن كشف عن الفيلم في 18 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. والثاني أنّه فيلم يعجب المشاهدين العرب كونه يتحدّث عن ملاكم من أصول يمنية نشأ في بريطانيا، وما مرّ به من معاناة منذ صباه ليصبح بطلاً عالمياً في الملاكمة معروفاً باسم «ذَ برنس». كون الحكاية حقيقية وليست مؤلَّفة، والشخصية مسلمة وممثلها (أمير المصري) كذلك، وكون الفيلم يتحدّث إيجابياً عن عربي شقّ طريقه من القاع إلى القمّة، كفيل بأن يحقّق بين الحاضرين اهتماماً كبيراً، إن لم يكن إعجاباً أيضاً.

أمير المصري في «عملاق» (ملف مهرجان البحر الأحمر)

قسم سعودي خاص

لكن باقي الأفلام المنتخبة لا تقلّ إثارة للاهتمام، وهي موزّعة على الأقسام الثلاثة عشر على النحو التالي: 18 فيلماً في المسابقة الدولية، 12 فيلماً في قسم «اختيارات عالمية»، 5 أفلام في قسم «روائع عربية»، و46 فيلماً قصيراً من بينها 22 فيلماً سعودياً و24 في مسابقة عالمية.

هناك 10 أفلام في قسم «رؤى البحر الأحمر»، و3 في «السينما العائلية» (بينها فيلمان كرتونيان).

الأفلام السعودية الطويلة لها قسم خاص مؤلّف من 5 أفلام جديدة هي: «رأيت رسم الرمال» لعبد الله الحمدي، و«دوائر الحياة» لخالد الدسيماني، و«نور» لعمر المقرّي، و«سبع قمم» لأمير الشنّاوي، وفيلم آخر من إنتاج سعودي ناطق بالإنجليزية هو «المدّ البشري» (Human Tide) لديڤيد وورد.

تحت قسم بعنوان «كنوز البحر الأحمر» تطالعنا 6 أفلام، من بينها «عايدة» لأحمد بدرخان (1946). ثم هناك ما يُعرف بـ«عروض خاصة»، وهو عبارة عن فيلمين يشهدان اهتماماً دولياً حالياً، هما «صوت هند رجب» لكوثر بن هنية و«صراط» لأوليڤر لاكس.

تحت اسم «روائع عالمية» 6 أفلام، بينها فيلم الافتتاح. ومنها الفيلم الفرنسي «ساحر الكرملِن» أوليڤييه أساياس، والفيلم السعودي الناطق بالإنجليزية «محاربة الصحراء» (Desert Warrior) لروبرت وايات، ومن بطولة أنطوني ماكي وعائشة هارت وغسان مسعود وبن كينغسلي.

افتتح المهرجان دورته الخامسة أمس بالفيلم البريطاني «عملاق»

إطلالات عربية

بعض هذه الأقسام، مثل مسابقتي الأفلام الطويلة والقصيرة وقسم «الأفلام السعودية» و«روائع عربية»، تتميّز بأن ما تعرضه ينتمي فعلاً إلى عنوانه. لكن هناك أقساماً أخرى كان يمكن الإقلال من عددها، لأن الأفلام التي تعرضها تستطيع التمركز في أقسام شبيهة. على سبيل المثال، ما يتكوّن منه قسم «رؤى البحر الأحمر» لا يختلف كثيراً عن «عروض خاصة» أو «روائع عالمية».

هذه الملاحظة وردت هنا قبل عامين، لكنها ما زالت مطروحة، خصوصاً أنّ الناتج بالنسبة للجمهور هو الالتفاف حول عنوان الفيلم وليس حول القسم الذي يُعرض فيه. وكلما توحّدت العناوين تحت أقسام أقلّ، سَهُل اكتشافها واختيارها.

أما من حيث التنوّع في موضوعات الأفلام، فإن ذلك مؤمّن بالاختيارات التي عملت عليها إدارة المهرجان طويلاً.

فيلم شهد أمين «هجرة» (ملف مهرجان البحر الأحمر)

ولأنّ القضية الفلسطينية بقيت على محكّ الاهتمام العربي والعالمي طوال العام الحالي، فمن الطبيعي أن يستقبل المهرجان السعودي الفيلمين اللذين يقدّمان تعريفاً للعالم بأصول هذه القضية، كما يفعل «فلسطين 36» لآن ماري جاسر المعروض في قسم «روائع عربية»، و«صوت هند رجب» لكوثر بن هنية «عروض خاصة».

هناك فيلم ثالث عن الموضوع الفلسطيني هو «اللي باقي منك» لشيرين دعيبس، الذي يعرض دراما تقع أحداثها في فلسطين ما بين 1948 و2022.

هذا يدلف بنا إلى أفلام عدّة من المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة التي تحفل بأعمال مهمّة.

المخرجة السعودية شهد أمين تودِع المسابقة فيلمها الروائي الطويل الثاني «هجرة»، الذي سبق عرضه في مهرجان «ڤينيسيا».

المخرج العراقي محمد جبارة الداجي يعرض «إكالا حلم كلكامش» في المسابقة الرئيسية، ويشاركه طموح الفوز كلٌّ من اللبنانية سيريل عريس عبر «نجوم الأمل والألم»، والمصري أبو بكر شوقي في «القصص»، و«اللي باقي منك» لشيرين دعيبس (إنتاج مشترك ألماني - قبرصي - فلسطيني)، و«يونان» لأمير فخر الدين، و«غرق» لزين الدريعي (إنتاج سعودي - أردني - قطري - فرنسي مشترك). ومن الصومال فيلم «بارني» الفيلم الروائي الطويل للمخرج محمد شيخ.

أما قسم «روائع عربية»، المشكَّل من 5 أفلام من بينها «فلسطين 36» كما تقدّم، فيعرض 4 أفلام أخرى تستحق الاكتشاف، هي: «المجهولة» لهيفاء المنصور (السعودية)، و«جوازة ولا جنازة» لأميرة دياب (مصر)، و«رهين» لأمين الأخنش، و«مسألة حياة أو موت» لأنس باطهف (والفيلمان سعوديان).


شاشة الناقد: عن الزمن والطبيعة في فيلمين أحدهما أنيميشن

«نيموندايو» (أنايا برودكشنز)
«نيموندايو» (أنايا برودكشنز)
TT

شاشة الناقد: عن الزمن والطبيعة في فيلمين أحدهما أنيميشن

«نيموندايو» (أنايا برودكشنز)
«نيموندايو» (أنايا برودكشنز)

NIMUENDAJÚ ★★★★

* إخراج: تانيا أنايا

* البرازيل | أنيميشن

* عروض 2025: مهرجان أنيسي للرسوم

تُحيك المخرجة البرازيلية تانيا أنايا فيلمها الأنيميشن بعيداً عن معظم التجارب في هذا النوع من الأفلام. هو ليس عن حيوانات ناطقة ولا بطولات بشرية خارقة. ليس عن عالم آخر بعيداً عن الأرض ولا عن مخلوقات تخرج من البحر. ما هو عليه دراما مستوحاة من واقع الاضطهاد الذي عانى منه المواطنون الأصليون للأمازون، وكيف تم إقصاؤهم بعيداً عن مواطنهم، وارتُكبت بحقهم مجازر وحملات تهجير إحدى القبائل الهندية (بباشتسبا) على الأراضي التي عاشوا فوقها منذ تاريخ بعيد.

تقع الأحداث في مطلع الأربعينات (ثم تنتقل عبر أزمنة وتواريخ أخرى)، وبطلها عالم ألماني في التاريخ البشري اسمه كيرت أونكل، زار في مطلع الأربعينات من العقد الماضي بعض مواطني منطقة الأمازون، ووقع في حب الحياة البسيطة وتعلّم اللغة ودافع عن حقوق القبائل أمام السلطات البرازيلية المتعاونة مع أصحاب النفوذ والمشروعات الاستثمارية.

«نيموندايو» هو الاسم الذي أطلقه المواطنون على كيرت الذي يواصل السعي للدفاع عن حقوقهم. خلال العيش في قراهم الطبيعية تعلّم لغتهم ومارس شعائرهم وأصبح واحداً منهم. أبيض البشرة نعم، لكنه كسب احترامهم وتقديرهم لما يقوم به.

كان يمكن للمخرجة سرد حكاية من بطولة أحد أفراد تلك القبائل، لكن ذلك كان سينقل الفيلم إلى وضع آخر. اختيارها تقديم حكاية كيرت أونكل صائب، من حيث إنه الصوت العقلاني في مواجهة أترابه من البيض الذين يرتكبون حرب إبادة. بذلك هو فيلم يحمل قضيته في قلبه ويتحاشى المبالغة فيها من خلال ربطها بوقائع فعلية.

كل ذلك كان يمكن أن يمر بتأثير أقل كثيراً مما جاء عليه الفيلم، لولا أن ما ترسمه المخرجة أنايا مذهل في فنه. صورها دقيقة في تفاصيلها وجميلة في تموضعها الانسيابي المتوافق مع طبيعة المكان. هو فيلم روائي مُمارَس في رسمه وتوليفه كما لو كان فيلماً حيّاً مع ممثلين من البشر. وهي تجيد لا رسم الطبيعة فقط، بل رسم البيئة البشرية لأبناء تلك المناطق وبأسلوب يدفع المُشاهد صوب متابعة بصرية فريدة.

TRAIN DREAMS ★★★ و1/2

* إخراج: كلينت بنتلي

* الولايات المتحدة | دراما

* عروض 2025: موسم الجوائز الحالي

تكشف قراءة رواية دنيس جونسن المنشورة سنة 2011 التي استلهمها المخرج بنتلي لفيلمه هذا عن اختلافات عدّة؛ أولها يكمن في مطلع الكتاب عندما يجرُ عدد من عمال قطع الأخشاب عاملاً صينياً (أدّاه ألفرد سينغ) إلى حافة الجبل ورميه من علٍ حيث لقي حتفه. بطل الرواية غرانيير (جووَل إدغرتون) يشترك في عملية القتل، لكن المخرج يؤثر أن يتابع غرانيير ما يدور من دون الاشتراك فعلياً فيه. لاحقاً، على صفحات الكتاب، يعبّر غرانيير عن شعوره بالذنب، وهذا الشعور هو الذي يبقى في الفيلم رغم أن لا يد لبطله فيما حدث. العامل الصيني يتراءى له، لكن بما أن غرانيير لم يشارك في الجريمة فإن تكرار ظهور ذلك الصيني ونظرته العاتبة، كونه لم يفعل شيئاً للحؤول دون مقتله، يُثير بعض التعجّب عوض الإعجاب.

«أحلام قطار» (بلاك بير بيكتشرز)

الرواية والفيلم يقعان في رحى الأربعينات، ويدوران حول ذلك الرجل الذي وُلد يتيماً في بعض جبال ولاية واشنطن وترعرع منتقلاً من عمل إلى آخر إلى أن بدأ يعمل في قطع الأشجار في جبال الولاية الشمالية الباردة.

تزوّج وأنجب، لكن حريقاً كبيراً التهم الكوخ الذي عاش فيه. حين تفقّد المكان لم يجد أثراً لزوجته أو لابنته، فينعزل منتظراً عودتهما إلى أن يدرك، بعد سنوات، أنه كان حالماً.

هي قصة حزينة صنع منها المخرج فيلماً شجونياً مستفيضاً وهادئاً ومقنعاً. هناك تعليق صوتي من الراوي (كما في الكتاب) يتكفّل بشرح موجز لمراحل زمنية لا يرغب المخرج في تخصيص الوقت لها، وفي هذا الإطار يعمد إلى إيجاز ناجح. الفيلم بأسره متابعة لحياة رجل ما إن وجد السعادة ممثّلة في أسرته الصغيرة حتى فقدها ليعود إلى العزلة الداخلية التي كان يشعر بها. هو شخص محمَّل بما يوخز ذاكرته وضميره. ذاكرة تحتوي موت بعض رفاق العمل الآتين، مثله، من خلفيات مقفرة من البهجة، ويموتون على هذا الوضع.

هناك مجال في الفيلم للحديث عن الزمن والطبيعة وقطع الأشجار التي وُلدت قبل مئات السنين والتغيير البيئي الذي تُحدثه. لكن قطعها هو سبيل رزق وحيد لمجموعة من الرجال عليهم التعايش مع هذا الوضع ضمن ظروفه الصعبة على الجسد والروح.

ما لا يحققه الفيلم هو الغاية من وراء سرد حكايته. فيلم جميل عن رجل وحيد، بمعالجة دافئة وتمثيل ممتاز من بطله. وهو فيلم وجداني، لكن المفاد الذي تضمنته الرواية (وهو مفاد اجتماعي وسياسي وزّعه جونسن على شخصيات مختلفة) غائب في الفيلم رغبة من مخرجه في الالتزام فقط بمأساة بطله في مراحل مختلفة. ينجح في هدفه هذا ويخفق في تعويض ما قرر تغييبه.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز


أسرار في علاقة مهرجانات السينما والأوسكار

لقطة من فيلم «فلسطين 36» (آي إم دي بي)
لقطة من فيلم «فلسطين 36» (آي إم دي بي)
TT

أسرار في علاقة مهرجانات السينما والأوسكار

لقطة من فيلم «فلسطين 36» (آي إم دي بي)
لقطة من فيلم «فلسطين 36» (آي إم دي بي)

قبل زمن غير بعيد، لنقل نحو 23 سنة، لم تكن العلاقة بين المهرجانات السينمائية الدولية وحفل الأوسكار بمثل هذه المتانة التي تتجلى اليوم.

كانت جوائز الأوسكار المخصصة للأفلام ومخرجيها تبدو أكثر استقلالاً عما هي عليه الآن. كانت حفلاً أميركياً منفصلاً إلى حد كبير عن جوائز المهرجانات والمناسبات الأخرى.

على سبيل المثال، لم يمر الفيلم الفائز بالأوسكار سنة 1996 «قلب شجاع» (Braveheart) على أي من المهرجانات الأوروبية الثلاث برلين، وكان وڤينيسيا. كذلك حال الأفلام الأربعة التي نافسته وهي «أبوللو 13» و«بايبي» و«ساعي البريد» و«العقل والعاطفة» (Sense and Sensibility). رغم أن بعض هذه الأفلام عرضت في مهرجانات أميركية محدودة الشهرة والإقبال مثل «لوس أنجليس فيلم فستيڤال» و«سياتل فيلم فستيڤال».

في 1998 تم اختيار خمسة أفلام للتنافس على جائزة «أفضل فيلم أجنبي» لم يكن من بينها ما عرضه مهرجان أوروبي كبير بما في ذلك الفيلم الفائز حينها «كاركتر» (Character) الآتي من هولندا. بقية أفلام تلك الدورة في هذا القسم كانت الفيلم الروسي «اللص» والفيلم البرازيلي «أربع أيام من سبتمبر» والإسباني «أسرار القلب» والألماني «ما بعد الصمت». هذه كلها انتقلت من بلدانها على نحو مباشر باستثناء ما عُرض منها في مهرجانات صغيرة.

هذا المنوال استمر حتى منتصف العقد الأول من القرن الحالي. بعض الأفلام المتسابقة في الفئتين، «أفضل فيلم» و«أفضل فيلم أجنبي» (تغيير اسمها إلى أفضل فيلم عالمي) شهدت عروضها الأولى في «ڤينيسيا» أو «كان» لكن على نحو محدود.

لقطة من فيلم «فلسطين 36» (آي إم دي بي)

تغيير اسم مسابقة «أفضل فيلم أجنبي» كشف عن محاولة أكاديمية العلوم والفنون السينمائية الإعلان بأنها أكثر عالمية مما كانت عليه، وتبع ذلك الإكثار من الأفلام الأجنبية في المسابقة الأساسية لأفضل فيلم.

أربع مزايا

ما نشهده حالياً هو أن النسبة الغالبة من الأفلام التي تدخل سباقات الأوسكار تم عرضها المهرجانات الدولية خصوصاً «كان» الفرنسي و«ڤينيسيا» الإيطالي. المنافسة بين هذين المهرجانين لتبوأ المركز الأول في عدد الأفلام التي أطلقها كل منهما وحطّت في سباق الأوسكار، حاضرة بزخم غريب كما لو أن الأوسكار هو ذراع لهما وأن ما يعرضه أي من هذين المهرجانين (وإلى حد أقل برلين) هو بالضرورة ما يجب على أكاديمية العلوم والفنون السينمائية قبوله.

إليهما (كان وڤينيسيا) ينضم مهرجانا صندانس الأميركي وتورنتو الكندي و-نظرياً- أي مهرجان آخر اختارته الأكاديمية لقبول أفلامه حين إرسالها إليه.

هناك أربعة شروط لانتخاب المهرجان- الشريك:

* أن يكون ذا تاريخ بالغ النجاح حجماً وإقبالاً.

* أن يكون مهرجاناً مُقاماً في عاصمة أو مدينة كبيرة في بلد معروف بوفرة إنتاجه وتعدد ثقافاته.

* أن يتم عرض الفيلم في صالات المهرجان المتاحة للجمهور.

* أن يتمتع المهرجان بالقدرة على جذب محترفي العمل السينمائي من مخرجين ومنتجين ونقاد سينما.

بذلك، لا عجب أن المهرجانات العربية ليست في هذا النطاق. وهي ليست وحدها، فمن بين أكثر من 5 آلاف مهرجان وتظاهرة ثانوية هناك 50 أساسية لبلدانها وأقاليمها ومن بين هذه هناك 10 أكثر أهمية من سواها، ومن هذه لدينا تلك المهرجانات التي باتت تؤلف الشريان الرئيسي لما يختاره الأوسكار لدخول مسابقاته وهي ڤينيسيا وكان وتورنتو وصندانس وبرلين (أحياناً لوكارنو ونيويورك).

مسافة زمنية فقط

في تصريح للمدير الفني لمهرجان مراكش، ريمي بونوم، على أعتاب دورته الجديدة التي انطلقت في الثامن والعشرين من هذا الشهر ذكر أن موعد إقامة المهرجان في نهاية كل عام يجعله على مسافة قريبة من سباق الأوسكار وأن دورة المهرجان الثانية والعشرين الحالية التي تستمر حتى السادس من ديسمبر (كانون الأول)، تحتوي على العديد من الأفلام التي دخلت سباق الأوسكار المقبل في فئة الأفلام العالمية.

«زنقة مالقا» (فيلمز بوتيك)

بالفعل، هناك، مثلاً، «فلسطين 36» لماري آن جاسر و«كعكة الرئيس» لحسن هادي و«زنقة مالقة» (Calle Malaga) لمريم توزاني التي دخلت المرحلة الأولى من الترشيحات. لكن المسافة القريبة بين مهرجان مراكش والأوسكار هي فقط زمنية وهذا حال كل المهرجانات العربية التي تعني باختيار أفلام يتم الإعلان عنها مسبقاً كاحتمالات دخول مسابقة «أفضل فيلم عالمي» وقد لا تدخل. في هذا النطاق فإن مهرجانات السينما كافّة تنتظر إعلان القائمة الكاملة للدول التي أرسلت ترشيحاتها من الأفلام وتم قبولها. عند هذه النقطة يبدأ شغل مهرجانات الأشهر الأخيرة من السنة لعرض ما تم قبوله عند تلك المرحلة الأولى.

من ڤينيسيا إلى الأوسكار: «فرنكنستاين» (نتفلكس)

في أفضل الأحوال فإن عرض أفلام من هذه القائمة الأوّلية أقرب لتحية تلويح باليد من المهرجان العربي، أياً كان، للأوسكار. هذا، بدوره، لن يلحظ هذه التحية ولن ير إلا تلك المهرجانات الغربية الرئيسية المعتمدة لديه.

ما يستفيده المهرجان العربي المنشغل بعروض أفلام عربية أو أجنبية قد تصل إلى الشوط الثاني من السباق الأميركي هو إتاحة الفرصة أمام الجمهور المحلي للتعرّف على هذه الأفلام وتسجيل دعاية إعلامية لا تُغادر المنصّات العربية.

حلقات

المقارنة بين هذا المنوال المتواضع من العلاقة بين المهرجان العربي والأوسكار، وبين ما يحدث في إطار العلاقة بين هذا الأخير والمهرجانات الدولية موضوع لا بد من طرحه.

مهرجانات السينما ذات الحجم والأهمية الدولية تمتلك، تلقائياً، عدة مقوّمات تساعدها على تبوؤ هذه المكانة.

على سبيل المثال، استقبال عشرات المنتجين والموزّعين والفنانين والمخرجين يشكّل عملياً اللقاء الأول بين أصحاب المشروعات ومنفّذيها المحتملين. هذا ينعكس، لدى الأكاديمية، حين تنظر إلى أهمية هذا المهرجان أو ذاك بالنسبة إليها.

هناك أيضاً حقيقة أن المهرجانات الكبيرة تكتسب مكانتها بقدر ما تعرضه من أفلام تنتقل بعد ذلك إلى مهرجانات أخرى وصولاً إلى موسم الجوائز في الأشهر الثلاثة المقبلة مثل جائزة الاتحاد الأوروبي وجائزة بافتا البريطانية وجائزة غولدن غلوبز الأميركية انتهاءً بالأوسكار.

بذلك يجد المخرج وصانعو الفيلم أنفسهم في بؤرة اهتمام ونشاط متواصل وثري. هذا يتم بإسهام من الصحافة العالمية ونقادها الذين يواكبون تلك الأفلام بدءاً من عروضها الأولى.

في حين كانت صناعة مخرج ما تتم بفضل الفيلم الذي حققه أساساً، بات ذلك يتحقق بفضل ذلك الإعلام الواسع الذي يضعه على السدّة ويمنحه ما يبحث عنه من تنافس شركات التمويل والإنتاج على أعماله اللاحقة خصوصاً إذا ما فاز هو أو فيلمه بجائزة أولى من مهرجان أو بجائزة الأوسكار.

شكل الأوسكار المقبل

ما يستفيد منه المهرجان كذلك هو التموضع على رأس تلك المناسبات التي تستطيع دفع الأفلام المشتركة فيها إلى سباق الأوسكار. بالنسبة لصانعي الأفلام المشاركة في المهرجانات الكبرى ذلك يعني وضع الفيلم على سكّة الأوسكار على نحو مضمون النتائج أكثر مما كان الوضع عليه سابقاً. وهو ما يفسّر التنافس القائم بين مهرجاني ڤينيسيا و«كان» على تأكيد أهميتهما كسبيل لإيصال الأفلام إلى السباق الأكبر المتمثل في جوائز الأوسكار.

هذا العام نجد أن المهرجان الإيطالي (الأكثر اهتماماً بفن الفيلم من فن تجارته) يدفع بأفلام عرضها في دورته الأخيرة سبتمبر (أيلول) باتجاه الأوسكار. في المقدّمة «فرانكنستاين» لغييرمو دل تورو و«صوت هند رجب» لكوثر بن هنية و«منزل الديناميت» لكاثلين بيغيلو و«بوغونيا» ليورغوس لانتيموس والفيلم الذي خطف جائزته الذهبية هذا العام وهو «أب أم أخت أخ» لجيم جارموش.

في المقابل، نجد حفنة أخرى من الأفلام دفعها المهرجان الفرنسي صوب الأوسكار بينها فيلم جعفر بناهي الفائز بالذهبية في «كان» وهو «مجرد حادث» لجانب «قيمة عاطفية» ليواكيم تراير و«تاريخ الصوت» لأوليڤييه هرمانوس و«صِراط» لأوليڤر لاكس و«العميل السرّي» لكايبر مندوزا فيلو.

في خضم المصالح المتبادلة بين كل هذه الأطراف، فإن الناتج هو تحويل جزء كبير من أفلام الأوسكار إلى استكمال لعروض المهرجانات التي سبقته.

إنه صراع لا ينتهي وتنافس على الأفضل ومصالح مشتركة تجعل الأوسكار يبدو اليوم عالمياً أكثر مما قد يتمناه البعض منا.