د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

إيران تحاول هدم وئام ليبيا الديني

النظام الإيراني الذي دأب على تصدير الفوضى إلى العالم، لم يفوت فرصة الفوضى في ليبيا ليكون أحد أطراف صناعتها، ولكن بطريقته الخاصة، مستغلاً علاقات سابقة وقائمة مع تنظيم الإخوان خاصة، وأخرى مع تنظيم القاعدة، ليعبثا بالشأن الليبي، ويشارك النظام الإيراني مع غيره في هتك النسيج الاجتماعي الليبي عبر دعم الأقليات، متسللاً من خلال العباءة الطائفية، فوجد في بعض من الأقلية الأمازيغية ضالته في أطراف الجبل الغربي الليبي، على حدود تونس. حاولت إيران دفع بعض الأمازيغ للانفصال في كيان إثني، الأمر الذي لم يجد صدى عند غالبية الأمازيغ، وحتى أصحاب المذهب الإباضي، الذين في غالبيتهم يجدون أنفسهم أقرب إلى السنة منهم إلى الشيعة.
التدخل الإيراني ظهر للسطح بعد الكشف عن عناصر مخابراته، من خلال عما تردد عن عملية تصفية لهم من قبل عناصر للمخابرات الإسرائيلية. ووفق مصادر ليبية فإن عسكريين إيرانيين تم استدراجهم من منطقة الجبل الغربي على الحدود مع تونس إلى الجنوب الغني باليورانيوم، الضالة الإيرانية، الأمر الذي تسبب في فضيحة للوجود الإيراني والمنافسة الإسرائيلية على الأراضي الليبية، إذ كانت الفوضى السبب الرئيس في وجود عناصر هذه المخابرات، خاصة في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة الميليشيات، ولا يزال الجيش الليبي لم يفرض سيطرته عليها بعد، مما جعلها مكاناً خصباً لوجود عناصر المخابرات الإيرانية وغيرها ضمن واجهات متعددة، منها الإنساني ومنها العقدي الطائفي، رغم أن من يتبع المذهب الإباضي في ليبيا هم قلة قلية جداً، في ظل غالبية عظمى تتبع المذهب المالكي السني.
ليبيا ليس بها صراع ديني مطلقاً؛ بل إن أبناءها إخوة متحابون راضون بدينهم الوسطي، ولكن آلة الخميني الشريرة تريد العبث بهذا التناغم الديني.
نشاطات إيرانية مشبوهة داخل ليبيا، لمحاولة نشر المذهب الشيعي فيها، تنوعت بين نشر الكتب وإقامة المعارض ودعوات مستمرة للتشيع، واستقطاب تيارات سياسيّة وميليشيات مسلّحة، مستغلة حالة الفوضى وغياب الدولة، عبر محاولات إيرانية تستهدف الشباب خاصة وعامة الناس، بدعوات مجانية لزيارة إيران، وخاصة أن القوات المسلحة العربية الليبية أكدت «أن الأسلحة التي يتم تهريبها عبر الحدود السودانية الليبية تأتي من مصانع إيرانية».
التدخل الإيراني التخريبي لا يعنيه المذهب الإباضي الليبي؛ لأنه يعلم تماماً أنه أقرب للمذاهب السنية؛ بل هناك من علماء المسلمين من اعتبره المذهب السني الخامس، ولكن ما يعني إيران هي الفوضى تحت أي شعار، وأن يكون لها وجود في المشرق والمغرب العربيين؛ حيث ليبيا تتوسط بين المشرق العربي بشقها المنطقة الشرقية، والمغرب العربي في المنطقة الغربية، ولهذا لم تفوت إيران فرصة دفع الأموال، التي طالت أكثر من 50 مليون دولار لأمراء الميليشيات في المناطق الخارجة عن سلطة الدولة، لتجعل منهم جزءاً من مخططها العبثي في ليبيا.
العبث الإيراني في ليبيا حاول تغذية الشعور الانفصالي عند البعض، عبر اللعب على حبال الاختلافات المذهبية، وتحويلها إلى خلافات عميقة يمكن لها أن تنتهي بحالة انفصال طائفي وإثني، إذ أن إيران تبنت محاولات سابقة، خاصة أن وزارة الخزانة الأميركية كشفت في عام 2016 عن علاقات بين إيران والجماعات الإرهابية والانفصالية في ليبيا، في الغرب الليبي، منذ أحداث فبراير (شباط) 2011؛ حيث رصد وجود لأعضاء من «حزب الله» في ليبيا، بحجة البحث عن فقيدهم موسى الصدر، ولهذا لا بد من الحذر من أجندة إيرانية في ليبيا، تعمل على تفتيت الفسيفساء الوطنية الليبية، بالمشاركة مع التنظيمات الضالة التي لا تؤمن بالدولة الوطنية.
التدخل الإيراني السافر في ليبيا يأتي ضمن سياسة إيران في محاولة زيادة النفوذ في البحر المتوسط ذي الغالبية السنية، لتجد موضع قدم لها بين دوله، وهذا يؤكد ما صرح به نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، الذي قال: «إن نفوذ إيران امتد جغرافياً ليصل إلى مناطق شرق البحر الأبيض المتوسط»، وبالتالي ليبيا التي تتربع على مسافة 2000 كيلومتر على هذا البحر، لن تكون استثناء من الاستحواذ الإيراني ومحاولات تصدير الفوضى والإرهاب.
أخيراً نقول لهذا للنظام الإيراني أن يدع ليبيا في حالها، فهي دولة مسلمة متناغمة ومنسجمة دينياً، وأبناؤنا يعيشون مع بعضهم بعضاً، في تآخٍ ديني لا حدود له. فحلّوا عنا أرجوكم.