أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في العراق فوز التحالف الذي يقوده مقتدى الصدر «سائرون» عن بقية الأحزاب والتحالفات السياسية بحصوله على 54 مقعداً من إجمالي عدد مقاعد البرلمان وهو 329 مقعداً.
فوز الصدر وفريقه لا يسمح له بتشكيل الحكومة القادمة بدون التحالف مع القوى السياسية الأخرى... لكن يبقى السؤال من الذي سيشكل الحكومة القادمة؟
المشاورات السياسية بين القوى المختلفة قد بدأت، لكن لم يتبلور حتى الآن ما هي طبيعة الحكومة القادمة.
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أعلن بعد لقائه مقتدى الصدر قائلاً «علينا العمل سوياً من أجل الإسراع بتشكيل الحكومة المقبلة وأن تكون حكومة قوية توفر الخدمات وفرص العمل وتحسين المعيشة ومحاربة الفساد»، وأكد أن أفكاره متطابقة مع أفكار مقتدى الصدر.
الصدر بدوره أكد للعبادي أن الحكومة المقبلة ستكون أبوية ترعى مصالح الشعب كله ولن تقصي أحداً، وقال إنه «داعية سلام ووحدة وتآخٍ بين المذاهب والأديان والتوجهات والأفكار فضلاً عن الدين الواحد والمذهب الواحد فجميعنا عراقيون».
الأمر المؤكد أن الحكومة العراقية الجديدة ستأخذ في الاعتبار قبل تشكيلها المتغيرات الداخلية والخارجية التي تؤثر في عراق المستقبل، فداخلياً أثبت الشعب العراقي رغم تجربته القصيرة مع الديمقراطية الوليدة أن لديه مقدرة عالية على التغيير ورفض كل الأفكار والطروحات الدينية والمذهبية التي روّجها بعض السياسيين العراقيين لخداع الناس وتغطية فسادهم.. فالأحزاب الدينية بجميع أشكالها السنية منها والشيعية لا تملك رؤية وطنية شاملة لكيفية العبور بالعراق من دولة في العالم الثالث ينخرها التخلف الاجتماعي والسياسي إلى دولة مدنية جديدة عمادها الدستور والقانون والعدالة والمساواة للجميع.
المتغير الخارجي الذي سيؤثر حتماً على العراق هو الموقف الأميركي الجديد الذي أعلنه الرئيس ترمب برفض الاتفاق النووي مع طهران والذي يعني ببساطة متناهية إعادة ترتيب المنطقة بما يخدم المصالح الأميركية... لذلك تلح واشنطن على طهران بوقف دعم الإرهاب في المنطقة وعدم التمدد في الدول المجاورة لإيران لأن ذلك يؤدي إلى عدم استقرار المنطقة.
الموقف الجديد للولايات المتحدة يضع ضغوطاً مضاعفة على طهران... وبالتأكيد لن تواجه إيران الولايات المتحدة، فهي حتماً ستخسر لكن إيران قد تلجأ إلى حرب بالوكالة وتعني عدم مواجهة أميركا بشكل مباشر... لكن ستكون حرباً بالوكالة باستغلال أنصارها من الشيعة العرب وغيرهم للقيام بمضايقة الوجود الأميركي في المنطقة.
هل تنجح الطروحات الجديدة لمقتدى الصدر الداعية إلى ضمان الحقوق الوطنية لكل مكونات الشعب العراقي؟
ما يطرحه الصدر من أهمية التعددية المجتمعية ظاهرة عالمية تعرفها كل المجتمعات المتقدمة وبعض الدول النامية، والتحدي الكبير هو كيف يمكن تحويل التعددية المجتمعية إلى عنصر قوة وثراء بدلاً من التمزق والحرب.
فالوطنية التي يدعو لها الصدر لا يقصد بها أن تكون على حساب البعد القومي والمذهبي والعرقي، بل على العكس هو ينشد تعاضد المجتمع بكل مكوناته في خلق بيئة من المواءمة والتعاون فيما بين أطيافه، وهكذا ينعكس على هامش الحريات التي ستتمتع بها مختلف الأطياف مراعية في ذلك بين مصالح الوطن واستقراره.
المعضلة الرئيسية التي ستواجه رئيس الحكومة العراقية القادم هي تحديد الضمانات الدستورية للتعددية وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص للجميع والتوزيع العادل للثروة وتحقيق التنمية الشاملة والتأكيد على الوسطية في المجتمع وتنمية الروح الوطنية... أما العلاقة مع الخارج فمطلوب من العراق تبني سياسات تخدم مصلحة العراق العليا بعيداً عن الطروحات الدينية والمذهبية... ليس من مصلحة العراق زج الشباب من أبنائه في حروب عبثية لا معنى لها دفاعاً عن المذهب أو خدمة لدول مجاورة تريد الهيمنة على العراق.
TT
العراق والولادة العسيرة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة