طالما رفعنا شعار التقارب التركي - المصري لسنوات وتحدثنا في كل فرصة سانحة عن أهمية التعاون والانفتاح الاستراتيجي بين البلدين، فمن حقنا أيضا أن نقول رأينا في النقطة التي وصلت إليها هذه العلاقات اليوم من التراجع بعد قرار تحويل السفيرين التركي والمصري إلى شخصيتين غير مرغوب فيهما بقرار سياسي وليس بسبب سلوكهما وفشلهما الوظيفي في أداء المهمة.
يحاولون أن يقنعونا بأن العلاقات الدبلوماسية لم تنقطع وأن ما جرى تخفيض فقط في حجم التمثيل وأن الملحقيات ما زالت تمارس أعمالها في البلدين، لكن كل المؤشرات والدلائل تقول إن التوتر والتدهور المتواصل في العلاقات هو الأقرب، ففرص الحوار الحقيقي مغيبة، لا بل مرفوضة.
ما دامت:
- تركيا لا تعترف بالسلطة القائمة في مصر، والقاهرة تقول إنها تنتظر اعتذارا وتتحدث عن محاولات تركية جادة لإلهاب الشارع المصري والمشاركة في مخططات تفجير الوضع الداخلي.
- وأن بيان الخارجية المصرية كان واضحا في وصف مواقف رجب طيب أردوغان بالتحدي العلني لإرادة الشعب المصري وتشكل استهانة باختياراته المشروعة وهي تتضمن الكثير من الافتراءات وقلب الحقائق وتزييفها، وأن أنقرة تحاول تأليب المجتمع الدولي ضد مصر وهي دعمت اجتماعات تنظيمية تسعى لإيجاد حالة من عدم الاستقرار في البلاد.
- وأن اللجوء إلى هذه الخطوة حدث بعد دراسة تداعياتها المحتملة بعيدا عن الانفعال وبعدما أهدرت أنقرة فرص تحكيم العقل وتغليب المصالح العليا، كما قال المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية.
- وأن الإعلام المصري وكبار المحللين فيه يرون في تصرفات أردوغان ومواقفه تدخلا مباشرا في الشأن الداخلي المصري وهي سابقة غير مألوفة في العلاقات بين الدول ذات السيادة. وأن بعض المصريين عندهم قناعة بأن أنقرة هي العقل المدير للتآمر على مصر من خلال تحريك مخطط إشعال ثورة شعبية جديدة في مصر بتاريخ 25 يناير المقبل كما يكتبون، وأن الكشف عن هذا المخطط هو السبب الرئيس لإبعاد السفير التركي، وأن أهم متابعي شؤون العلاقات التركية - المصرية في صفوف الأكاديميين المصريين يتحدثون عن تحويل تركيا إلى ساحة مفتوحة داعمة لحرب اغتيالات ستشهدها الساحة المصرية.
- وأن أردوغان غير عابئ بما يقال يوميا في القاهرة حول نهاية عهد «الإخوان» وحكمهم، وهو متمسك بتسمية ما جرى في مطلع يوليو (تموز) الماضي الانقلاب العسكري وبالدفاع عن حق الرئيس المعزول مرسي في استرداد منصبه وموقعه، وأنه لا يحترم أولئك الذين قدموه للمحاكمة. وأن أنقرة تهاجم الكثير من العواصم الغربية التي تراجعت عن مواقفها حيال ما شهدته مصر في الأربعة أشهر الأخيرة. وهي تبنت موقف أردوغان الأخير في إطلاق اسم «رابعة» على ميدان آخر في مدينة «طرابزون» الشمالية هذه المرة. وأن البعض في مصر يحاول أن يلعب بورقة الداخل وإعادة تنظيم شؤون البيت لاعبا بالورقة التركية في إطلاق جملة من التعديلات الدستورية والتنظيمية كما يقول بعض المحللين الأتراك.
- وأن جهود كلا السفيرين التركي حسين عوني بوسطملي والمصري عبد الرحمن صلاح الدين باتجاه تحسين العلاقات قد باءت بالفشل ووصلت إلى طريق مسدود، فلا خيار آخر بعد هذه الساعة سوى إبعاد الشعبين التركي والمصري عن هذا التوتر قدر الإمكان والتحرك لتجميد علاقاتنا الدبلوماسية كاملا إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. فلا معنى إطلاقا لقرارات خفض التمثيل الدبلوماسي ولا حاجة لتجييش وتحريض الشعبين وأصحاب المصالح ومؤسسات المجتمع المدني في البلدين أكثر من ذلك. والأفضل ربما هو قرار تجميد العلاقات الدبلوماسية بأكملها، وهي خطوة لن تكون الأولى ولا الأخيرة. فخلال قرن ماض، جرى إبعاد السفراء أو استدعاؤهم 5 مرات وقطعت العلاقات مرتين، والأهم من كل ذلك أن أبراجنا أو الحسابات الفلكية بيننا لم تتطابق إلا نادرا، ويكفي هنا إلقاء نظرة على حجم التبادل التجاري ومقارنته بأرقام أخرى لبلدان تقيم مصر وتركيا علاقات معها، لنصل إلى قناعة كاملة بأن العاصمتين لا رغبة عندهما في الانفتاح ورفع مستوى التقارب باستثناء مرحلة قصيرة جدا كانت مع وصول «الإخوان» إلى السلطة التي فرح لها حزب العدالة والتنمية كثيرا، لكنها لم تدم أكثر من عام واحد.
سأل أحد الأميركيين ساخرا صديقه الصيني: متى ستكفون عن وضع الأرز إلى جانب موتاكم وهم في قبورهم؟ فرد الصيني دون تردد: عندما تتخلون أنتم عن عادة حمل الزهور ونثرها فوق أضرحة من تحبون.
8:32 دقيقه
TT
القطيعة الدبلوماسية أفضل هذه المرة أيضا!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة