رغم تأكيد وزير المالية السعودي مؤخرا عن موعد طرح أسهم شركة أرامكو للاكتتاب، نشرت صحيفة «الفايننشيال تايمز» هذا الأسبوع تحليلا عن إمكانية تأجيل هذا الطرح. الكاتب «نك بتلر» والذي سبق أن كتب عن إمكانية بيع الحصة المراد طرحها بالكامل للصين، لمح بأن المملكة قد تطرح أسهم أرامكو في سوق الأسهم السعودية بدلا من طرحها في سوق لندن أو نيويورك. صاحب هذا التحليل الكثير من الافتراضات التي تدعم وجهة نظر الكاتب والتي لم تكن دقيقة بشكل أو بآخر. ارتبط اكتتاب أرامكو بالكثير من الشائعات والإمكانيات سواء ببيعه للحكومة الصينية أو لمستثمرين صينيين، وحاليا بالطرح في السوق السعودية.
يجب في البداية توضيح أن جميع التحليلات التي تحوم حول طرح أرامكو للاكتتاب العام تتناول موضوع التقييم بشكل أساسي، وغالبية المحللين الغربيين يشيرون في أغلب تحليلاتهم إلى أن التقييم المحدد من قبل الحكومة السعودية هو تقييم مبالغ فيه، على الرغم من وجود محللين آخرين يشيرون إلى أن هذا التقييم أقل من الواقع. وبعيدا عن كلا الطرفين في التحليل، فإن السوق عادة هي من تحكم على مصداقية هذا التقييم، ورغبة سوقي لندن ونيويورك في الحصول على هذا الاكتتاب تؤكد إلى أن القيمة المحددة من قبل المملكة ليست بعيدة عن القيمة الحقيقية. ولو كانت القيمة المحددة من المملكة هي ضعف القيمة الفعلية لأرامكو كما يتناول الكثير من المحللين الغرب، لما أقبل المستثمرون على طلب الاكتتاب في أسواقهم. بل ولما حاول المسؤولون الإنجليز تغيير بعض اللوائح المقررة للشركات المساهمة في سوق لندن حتى يتلاءم مع اكتتاب أرامكو.
إحدى الفرضيات التي طرحها الكاتب «نك بتلر»، هي أن المملكة أصبحت تفضل طرح الاكتتاب بالسوق المحلية وذلك لعدم رغبتها بالكشف عن الاحتياطي بالمملكة بشكل دقيق، والذي يجب أن يكشف للسوق والمساهمين في حال طرحت أرامكو للاكتتاب. والواقع أن هذه الفرضية غير صحيحة، لأن الشفافية هي أهم عامل في الاكتتاب، وأي مبتدئ بالسوق المالية يدرك ذلك ناهيك عن المملكة. فهل يقترح الكاتب بأن المملكة لم تدرك هذه النقطة إلا للتو؟ وهل غابت هذه الحقيقة عن مسؤولي سوقي لندن ونيويورك؟ ولا يستغرب أن تزيد هذه النوعية من المقالات والتحليلات مع اقتراب موعد طرح حصة أرامكو في سوق الأسهم لأهداف كثيرة، منها زيادة الضغوط على المملكة بهدف التنازل عن التقييم المحدد من قبل المملكة.
أما عن طرح أرامكو في السوق السعودية المحلية، فإن لهذه الخطوة إيجابيات وسلبيات، فمن الأفضل لاقتصاد المملكة أن يكون ضخ السيولة في الاكتتاب من خارج المملكة، كما أن ارتباط اقتصاد المملكة بشكل مباشر مع اقتصادات مثل أميركا وبريطانيا من خلال أرامكو له ميزاته بلا شك. إلا أن طرح أرامكو في السوق السعودية سينعشه بكل تأكيد، فقيمة السوق المالية السعودية تبلغ 460 مليار ريال تقريبا في الوقت الحالي، ومع دخول أرامكو بقيمة تقارب 50 مليارا، ستزيد قيمة السوق بما يزيد على 10 في المائة دفعة واحدة. هذا الانتعاش سيؤثر بشكل إيجابي وغير مباشر على بقية الشركات في سوق الأسهم. ولو تم طرح أرامكو بالمملكة بالشكل الصحيح، فإن هذا الاكتتاب قد يكون نقلة لسوق الأسهم السعودية، وخطوة إيجابية لتحول السوق السعودية من سوق محلية إلى سوق عالمية. بل وقد يكون هذا الاكتتاب سببا في زيادة المستثمرين الأجانب في السوق السعودية ودخول رؤوس أموال إضافية للسوق السعودية. وما كان مرجوا حدوثه من دخول أموال المستثمرين إلى المملكة من خلال اكتتاب أرامكو في الأسواق الدولية، قد يحصل من خلال شرائهم أسهم أرامكو من السوق السعودية.
مع زيادة خيارات المملكة في طرح أرامكو للاكتتاب العام، تزيد الضغوط على سوقي لندن ونيويورك، فعلى الرغم من ضخامة هذين السوقين، إلا أن التأثير الإيجابي لدخول أرامكو من الصعب تجاهله. ومع ظهور الخيار الصيني في السابق، ومقترح الطرح المحلي لأسهم أرامكو، فإن هذه الضغوط زادت بلا شك على السوقين العالميتين. وزيادة الضغوط على المملكة في التقييم، أظهر لها خيارات أخرى قد تكون أفضل من الاقتراحات الأولية. ومن تحفظ سابقا على طرح أرامكو للاكتتاب العام في الأسواق العالمية، قد لا يجد غضاضة في طرحها للاكتتاب المحلي، خاصة مع السيادة الكاملة للمملكة على جميع حيثيات الاكتتاب.
TT
طرح أرامكو في السوق السعودية
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة