وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

خلافة «دويلة داعش»

أيام «دويلة داعش» المزعومة باتت معدودة بعد انهيار معنويات ما تبقى من شراذم «داعش»، كما أظهرت معارك تلعفر والرقة وجرود جبال لبنان الشرقية.
خسارة الموصل، أكبر المدن التي سيطرت «داعش» عليها في حربها الصاعقة في العراق، كانت نقطة تحول عسكري مصيري في حملتها الجامحة للسيطرة على مناطق في غرب العراق وشرق سوريا وتوحيدها بداعي بعث هذه الدويلة على أنقاض الجغرافيا والتاريخ معاً.
ولكن، إذا أصبح مصير دويلة داعش «كدويلة» دخيلة على الشرق الأوسط والقرن الحادي والعشرين في ذمة التاريخ، فإن السؤال الكبير يبقى: من يملأ الفراغ الأمني الذي تخلفه وخصوصاً الفراغ «الآيديولوجي»، إن صح التعبير؟
لم تحتَج هذه الدويلة إلى أكثر من أسابيع معدودة لتكشف عن الوجه القاتم لنظام حكمها التعسفي وأسلوبه الدموي، مما يرشح الإرهاب الفردي والجماعي لـ«داعش» إلى تعريف لغوي خاص يميّزه عما سبقه من إرهاب.
إلا أن اللافت في تصرفات «الداعشيين» أنّها لم توفر، في شططها، حتى إرهابيي «إخوانها» من التنظيمات المتشددة التي تنافسها في سباق استقطاب التكفيريين، كما كشفت تجربة التعايش القصيرة بين فصائل التكفيريين في محافظة إدلب السورية - التي اختاروها ملجأ مؤقتاً لمسلحيهم المنسحبين من جبهات القتال.
في هذا المنعطف الدقيق في مصير الإرهاب التكفيري الملقب، تأدباً، «بالدولي»، لا بدّ لدول الشرق الأوسط من طرح تساؤل جدي: ماذا بعد دويلة داعش؟
هل يكفي دحر الإرهاب، عسكرياً، في سوريا والعراق لقطع دابر التنظيمات التكفيرية أم أن اجتثاث الإرهاب يستوجب التعامل مع جذوره أيضاً كي لا يتحول، بدوره، إلى بؤرة مصدّرة للإرهاب العشوائي على غرار تنظيم القاعدة؟
السؤال يوجه بطبيعة الحال - وقطعاً بالدرجة الأولى - إلى دول الشرق الأوسط التي شكلت «الحاضنة التراثية» للتنظيمات الإسلامية المتشددة، ولكنّه يعني أيضاً العالم أجمع، وتحديداً العالم الغربي، بحكم ما يمثله من تحدٍ لمفاهيمه السياسية ولقيمه الحضارية وحتى الفكرية.
استئصال الإرهاب بالقوة إجراء لا بد منه في مواجهة المقاربة العدوانية للسلوك السياسي للتنظيمات المتطرفة. ولكن هذه المعالجة تبقى قاصرة عن القضاء على الإرهاب ما لم تتعامل مع جذوره السياسية والفكرية أيضاً.
قد يكون للإرهاب، في الظاهر، وجه واحد، ولكنّ دوافعه الباطنية تتمايز بين إرهاب وإرهاب إلى حد يبرر اعتباره مجموعة نزاعات متداخلة ومتصادمة أحياناً تستدعي، بموازاة التعامل العسكري معها، مواجهتها بعملية «فك ارتباط» مدروسة ودقيقة.
على سبيل المثال، يصعب التعامل مع جذور السلوك الإرهابي في الشرق الأوسط بمعزل عن مشاعر الإحباط المذهبي السنية حيال المد الشيعي في المنطقة، وبمعزل عن المواجهة القومية العربية - الإيرانية المتنامية، والمتجلببة بعباءة دولية أميركية - روسية تستدعي مشاركة فعالة من الدولتين فيما يصفانه بالحرب على الإرهاب.
وهنا «كعب أخيل» الحرب الدائرة على الإرهاب، فإذا كانت موسكو وواشنطن تجمعهما اليوم مصلحة مشتركة في القضاء عسكرياً، على «الإرهاب الدولي»، فإنّ حساباتهما لمرحلة خلافة «داعش»، لن تكون بالضرورة متطابقة - إن لم تكن متناقضة بمقدار تناقض مصالحهما في الشرق الأوسط... فهل من المغالاة توقع أن تكون مرحلة ملء فراغ دولة الإرهاب في سوريا والعراق أصعب سياسياً من مرحلة محاربة الإرهاب؟