علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

معركتها مع أميركا

في برنامج تلفزيوني من ذلك النوع الذي يكثر فيه الأبطال، قالت الأستاذة الجامعية الشابة التي تقوم بتدريس مادة «الإعلام السياسي» قالت بوضوح وقوة: معركتي ليست مع الإرهاب.. وليست مع الإخوان.. معركتي مع الطاغوت.. مع أميركا. ما لفت نظري ليس حكاية إعلانها الحرب على أميركا، بل استوقفني فقط استخدامها لكلمة «طاغوت» في عدوان واضح على حق الملكية الفكرية الإيرانية سارية المفعول، حتى بعد أن كفت إيران عن استخدام الكلمة. هكذا في كلمات قليلة تتسم بالقوة والوضوح، أعلنت أنها ليست في معركة مع الإرهاب، وهذا حقها، من حق الإنسان أن يدخل وأن يخرج من المعركة التي لا تروقه، غير أنها أغفلت ذكر حقيقة مهمة، وهي أن الإرهاب لم يتخل عن معركته مع شعبها وأهلها، ولعل في نفس هذه اللحظات التي تبرأت فيها من العداء للإرهاب، كان يسقط فيها ضحايا من رجال الشرطة والجيش صرعى برصاص الإرهاب. أما حكاية أن معركتها ليست مع الإخوان، فلا أحد في مصر في معركة مع الإخوان، الإخوان هم الذين اختاروا أن تكون لهم بعد خروجهم من الحكم، معركة سخيفة وبلهاء مع الشعب المصري يحاولون فيها تحويل حياته اليومية إلى جحيم. غير أن هذا الإعلان الواضح للانسحاب من معركة حقيقية مفروضة على المصريين، معركة يفقد فيها المصريون كل يوم خيرة شبابهم، والقفز منها إلى اختراع معركة مستحيلة لا وجود لها، لا بد أن تعني شيئا لم يصرح به منطوق الكلمات. هنا لا بد من وقفة أمام النفس التي أنتجت هذه الكلمات التي لا معنى حقيقيا لها، بحثا عن دافع يمكن فهمه. سأستبعد أنها تخشى عناصر إرهابية أو إخوانية في محيط عملها تريد أن تتقي شرهم بهذه الكلمات، فحتى لو حدث ذلك فهي ليست في حاجة لإعلان ذلك على الشاشة الصغيرة. الواقع أن السبب هو الرغبة في تحقيق بطولة شفاهية لا تتطلب سوى الكلمات. الأستاذة الشابة هنا ليست أكثر من عينة كاشفة، تكشف عن مرض منتشر هذه الأيام، وهو الرغبة، عند عدد كبير من أفراد النخبة المثقفة، في إظهار بطولة لا يملك أصحابها أدواتها، وذلك نتيجة للعجز عن الفعل والرغبة في الهروب من حقائق الواقع التي تتطلب منهم مواقف صلبة ليسوا مؤهلين لها. لا أحد منهم يرغب أو يرضى بأن يكون نفسه، من المستحيل أن يجد نفسه أمام الكاميرات ويكون شخصا عاديا، لا بد أن يكون بطلا، وأن تكون بطولته من النوع الذي يثير الإعجاب مثل أن يكون واقعا في معركة مع أقوى دولة على الأرض. وكأنه يقول: أنتم بشر عاديون.. تخوضون معركة مع الإرهاب.. أما أنا فمختلف..أنا بطل.. والأبطال يخوضون معركتهم ضد أميركا على أقل تقدير. الطريف أن المثل الشعبي يعرف جيدا هذا النوع من السلوك، طبعا حضرتك سمعت عن ذلك الرجل الذي فشل في حمل عنزة فقال: «أصل أنا ماليش إلا في شيل الجمال».