طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

من الناس وإلى الناس تعود!!

أتخيل هذا النجم السينمائي وهو يستحوذ على أغلب الجوائز في المهرجانات قد قال في لحظة صدق مع نفسه، لا أريد هذه الجوائز، أنا أنتظر الإيرادات في شباك التذاكر، كانت أفلامه بالمقارنة بزملائه تحتل ذيل القائمة، ومر زمن ولم يعد أحد يسند إليه دور البطولة هكذا تضاءل مع الأيام أيضا رصيده من الجوائز. يسعى الفنان للجمع بين الحسنيين، أقصد أن يقدم فيلما يحقق أعلى الإيرادات وأن يحظى بتأييد وتعضيد النقاد، ويا حبذا لو أضيفت «فوق البيعة» جوائز المهرجانات، البعض يرى أن هذا هو المستحيل الرابع بعد الغول والعنقاء والصديق الوفي!!. ليس صحيحا أن المسافة شاسعة بين ذائقة الناس وما تفضله المهرجانات، لو ألقيت نظرة عين الطائر الخاطفة على أفضل 100 فيلم عربي طوال تاريخنا السينمائي، وهو الاستفتاء الذي أعلنه مؤخرا مهرجان «دبي» السينمائي الدولي قبل الاحتفال بدورته العاشرة التي تفتتح يوم 6 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، ستكتشف أن 50% منها حققت درجة جماهيرية ضخمة، أي إنها قدمت لغة سينمائية استوعبها الجمهور وانطوت في نفس الوقت على أسرار إبداعية جمالية منحتها مع الزمن عمرا جديدا، أفلام مثل التونسي «صمت القصور» لمفيدة تلاتلي والمصري «الكيت كات» لداود عبد السيد واللبناني «بيروت الغربية» لزياد الدويري حققت مراكز متقدمة في قائمة العشرة الأوائل في تاريخنا السينمائي، وكان لها في نفس الوقت مردود ضخم في الشباك. لو تتبعت أكبر المهرجانات مثل «كان» و«برلين» و«فينسيا» ستكتشف أن الأفلام الجماهيرية ليست بعيدة عن المشاركة واقتناص الجوائز، وفي العادة فإن الفيلم الحاصل على سعفة «كان» أو دب «برلين» أو أسد «فينسيا» يحقق أعلى الإيرادات بعد عرضه جماهيريا. التجارب المعزولة عن الحس الجماهيري لا أنكر وجودها عبر التاريخ، ولكنها في إطار الاستثناء الذي يؤكد القاعدة وهي أن السينما فن شعبي لا يتنفس بعيدا عن الناس!!. المسافة تقلصت أو في طريقها لذلك، ثم من قال إن أفلام الجوائز تخلو بالضرورة من الحس الجماهيري؟! لديكم مثلا «تيتانيك» أو «مليونير العشوائيات» أو «أرغو» الحائزين على الأوسكار 98 و2009 و2013 وحققوا أعلى أرقام في الشباك، بل إن «تيتانيك» صار يعد الآن هو الأول في الإيرادات على مستوى العالم طوال تاريخ السينما، ومن فرط نجاحه أعاد المخرج جيمس كاميرون تقديمه قبل قرابة عامين بتقنية الأبعاد الثلاثة وذلك بمناسبة مرور 100 عام على كارثة السفينة «تيتانيك»، ولو تتبعت الإيرادات لاكتشفت أنه الأول ولو أحصيت عدد الجوائز لاكتشفت أيضا أنه الأول فقد حصد 11 جائزة أوسكار!!. وفي تاريخنا السينمائي العربي عدد من الاستثناءات وهي تلك الأفلام التي ناصبها الجمهور العداء، بل وقصف دار السينما بالحجارة احتجاجا عليها، بينما انتصر لها عدد من النقاد وبعض المهرجانات، أتذكر على سبيل المثال «باب الحديد» ليوسف شاهين، أعتقد الجمهور عندما لمح اسم فريد شوقي على أفيش السينما أنه بصدد فيلم «أكشن» حركة، ولكنه اكتشف بعد الدقائق الأولى أن البطل الحقيقي هو يوسف شاهين الذي لعب دور «قناوي» وأنه يحب من طرف واحد هند رستم (هنومة) بينما النجم الجماهيري فريد شوقي لا يمارس كعادته في تلك السنوات دور الفتوة الذي يطيح برؤوس وأعناق الجميع، حدث هذا قبل 55 عاما، ومع مرور السنوات أصبح «باب الحديد» فيلما جماهيريا، ومؤخرا في قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخنا العربي حظي بالمركز الثاني. خدعوك فقالوا لدينا نوعان للسينما، الأول مهرجانات والثاني جمهور، بينما السينما هي السينما من الناس وإلى الناس تعود!!.