عندما يتفق جميع أصحاب التفكير السليم في العاصمة واشنطن على شيء بعينه - كما حدث أخيراً مع قانون فرض العقوبات الجديدة على روسيا - فقد يعد ذلك تحذيراً من أن المناقشات لم تغادر عقلية القطيع التي تتابع ولا تفكر.
لقد أصبحت العقوبات بالفعل من الأدوات المبالغ في استخدامها في مجال السياسة الخارجية، قبل أن يوقع الرئيس دونالد ترمب على مضض على قانون ينص على فرض عقوبات جديدة على روسيا وإيران وكوريا الشمالية. وقد مرر مجلس النواب الأميركي التشريع في الأسبوع الماضي، بتصويت 419 عضواً مقابل اعتراض 3 أعضاء، في حين صوت مجلس الشيوخ على القانون بموافقة 98 عضواً مقابل اعتراض عضوين اثنين. كانت هذه هي نسخة الكونغرس من الاندفاع الأخير. كما منح الكونغرس لنفسه أيضاً صلاحية مراجعة أية محاولات رئاسية لوقف أو تعليق العقوبات على روسيا بصفة خاصة.
ولقد أرفق السيد ترمب بياناً بالتوقيع، يقول فيه إن التشريع كان معيباً بشكل خطير لأنه يتعدى بصورة غير سليمة على السلطة التنفيذية. ومن الهرطقة السياسية الإدلاء بتصريح كهذا، لكنه قد يكون على حق فيما قال، فهذا التشريع يحد من المرونة الرئاسية في الوقت الذي تكون الحاجة فيه شديدة لإجراء مفاوضات حساسة مع الخصوم المعنيين.
وإذا كان الأمر يتعلق برئيس آخر غير دونالد ترمب، وبأي خصم آخر غير روسيا، فإنني أظن أن حجج السيد ترمب كانت لتحصل على المزيد من الدعم والتأييد. وعندما كتب في بيان التوقيع يقول: «إن واضعي دستور بلادنا قد عهدوا بشؤون السياسة الخارجية إلى رئيس البلاد»، كان كمن يبدو أنه غريب عن الأجواء السائدة في واشنطن، فلقد كان هذا هو الرأي التقليدي المجمع عليه هناك. وقد أصدر الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش وبانتظام البيانات المرافقة للتوقيعات الرئاسية، عندما كان يظن أن الكونغرس يمارس نوعاً من الاعتداء على السلطة التنفيذية. وفعل الرئيس باراك أوباما الأمر نفسه، كما حدث في يوليو (تموز) من عام 2009، في البيان الذي اعترض فيه على إملاءات الكونغرس على السياسات الخارجية حيال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وفي هذه المرة، ألقت زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، السيدة نانسي بيلوسي، ببيان التوقيع في سلة السلوكيات المتواطئة من قبل الرئيس ترمب، وقالت: «لا يجب على الكونغرس الجمهوري السماح للبيت الأبيض تحت قيادة ترمب بالتخلي عن واجبه لفرض هذه العقوبات حيال العدوان الروسي الصريح على الديمقراطية الأميركية».
ولقد حاز السيد ترمب هذا الشعور بانعدام الثقة وبكل جدارة، ولكن أسلوب السيدة بيلوسي القاسي قد ارتد على عقبيه من خلال إسكات الناس غير المقتنعين بالأمر برمته.
إن السيد ترمب مؤيد للعقوبات، مثل الكونغرس الذي أقرها تماماً، كما تجدر الإشارة. ففي الأسبوع الماضي، فرضت إدارته العقوبات الجديدة الخاصة بها على المسؤولين الحاليين والسابقين في فنزويلا، وعلى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو شخصياً في الأسبوع الماضي. وفي الأثناء ذاتها، يهدد السيد ترمب بإلغاء التصديق على الاتفاق النووي مع إيران، وفرض المزيد من العقوبات على النظام في طهران، على الرغم من أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية يقول إن طهران تعتبر، من الناحية الفنية، قيد الامتثال لبنود الاتفاق المبرم.
وأفضل الحجج التي تؤيد فكرة الاستخدام المفرط لأداة العقوبات الاقتصادية طرحت في مارس (آذار) لعام 2016، من جانب جاكوب ليو الذي شغل منصب وزير الخزانة الأميركي وقتذاك، وذلك في مقابلة شخصية أجريتها معه، وفي خطاب لاحق ألقاه الرجل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. وكان تركيزه في ذلك الوقت يدور حول جهود الكونغرس للحيلولة دون تخفيف إدارة الرئيس أوباما للعقوبات على إيران، مع امتثال الأخيرة لبنود الاتفاق المبرم.
ولقد أوضح السيد ليو، في ذلك الوقت، الأمر بقوله: «بما أن الغرض من فرض العقوبات هو ممارسة الضغوط على اللاعبين السيئين بغية تغيير سياساتهم، فلا بد أن نستعد لتخفيف العقوبات مع نجاح الغرض المقصود منها. وإن فشلنا في ذلك الأمر، فإننا نقوض من مصداقيتنا، ونلحق الأضرار الكبيرة بمقدرتنا على استخدام العقوبات للدفع في اتجاه تغيير السياسات على الصعيد الدولي».
وسألت السيد ليو، يوم الخميس الماضي، ما إذا كان يؤيد الحجة نفسها الآن، فأجاب قائلاً: «لم تتغير آرائي قيد أنملة. وما زلت أرى أن السلطة التنفيذية في حاجة إلى أدوات لزيادة الضغوط، ورفع هذه الضغوط في الوقت المناسب. وهذا أمر شديد التعقيد، إذا كان يتعين عليك الرجوع إلى الكونغرس في كل خطوة تخطوها».
ولا داعي لإساءة الفهم، فعند استعراض مراجعات الكونغرس بشأن العقوبات، فإنني لا أعذر السيد ترمب في سلوكياته. فلقد كانت استجابته السلبية تماماً على التدخلات الروسية الموثقة رسمياً في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 أمراً مريعاً للغاية. وإقالة المستشار الخاص روبرت مولر سوف تكون من أسوأ القرارات، وتعد اعتداء على سيادة القانون الدستوري في بلادنا.
لكن حتى إن اعتقدنا أن هذه القصة تسير على طريق حجب الثقة وتوجيه الاتهامات، فلا تزال الولايات المتحدة يتوجب عليها ممارسة السياسة الخارجية في عالم مفعم بالمخاطر الشديدة لعدة شهور، إن لم تكن سنوات مقبلة. وقد أصبحنا نستمع لكثير من مناظرات ووترغيت القديمة في هذه الأيام، ولكن دعونا لا ننسى نسخة السياسة الخارجية منها، فعلى غرار ريتشارد نيكسون، يحتاج الرئيس ترمب إلى مستشارين جيدين للتعامل في مجال السياسة الخارجية (ويبدو أنهم موجودون بالفعل) وقدر من المساحة الكافية للمناورة.
إن رائحة ملف «روسيا - ترمب» بغيضة للغاية. ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن كل طلقة يطلقها الكونغرس على روسيا لها ما يبررها، أو أن كل محاولة يقوم بها ترمب للمحافظة على صلاحيات السلطة التنفيذية هي من قبيل المؤامرات المحتملة على السلطة التشريعية. عندما بدأ المشرعون في واشنطن في طرح الحجج التي، في ظروف وحالات أخرى، كانوا سيرفضونها رفضاً باتاً، فلا بد أن ندرك أن هناك شيئاً غير صحيح يجري وراء الكواليس.
* خدمة «واشنطن بوست»
8:2 دقيقه
TT
وجهة نظر ترمب في العقوبات الروسية الجديدة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة