سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

حماس التي عشنا نعرفها

إذا صح أن ثلاثة من شباب جنوب غزة، المنتمين إلى كتائب القسام، قد شاركوا في عملية رفح الأخيرة، التي سقط فيها أربعون إرهابياً قتلى على يد قوات من الجيش المصري، فإن ذلك سوف يعود بالعلاقة بين حركة حماس والقاهرة إلى المربع الأول، بمثل ما سوف يعود بالعلاقة بين الحركة وجماعة الإخوان المسلمين، إلى المربع ذاته من جديد!
إذا صحت مشاركة الشبان الثلاثة في العملية، فسيكون ذلك مدعاة إلى أن نعاود النظر في مضمون الوثيقة الجديدة المعلنة من جانب حماس أول مايو (أيار) الماضي، لنرى ما إذا كان مضموناً جاداً بالفعل، أم أن قيادة الحركة قد نسيت الوثيقة بمضمونها بمجرد إعلانها على الناس؟!
إن المتابع لما يقال من غزة لنا، منذ إعلان الوثيقة، سيكتشف أنه أمام حماس جديدة ليست كالتي عشنا نعرفها، ونراها، ونتابع خطواتها في القطاع... والشيء نفسه سيكتشفه المتابع لحصيلة زيارتين قام بهما وفد من غزة إلى القاهرة، خلال أسابيع ثلاثة مضت.
فالوثيقة أعلنت بوضوح، أنهم في غزة يقبلون بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، وأن العلاقة بين الحمساويين والإخوان، قد انفضت، ولم تعد قائمة كما كانت من سنين!
وقد عاشت حماس سنوات قبل الوثيقة، لا تقبل بدولة على هذه الحدود، ولا تناقش في أمر علاقتها بالجماعة الإخوانية، وكانت توصف دائماً بأنها جناح للإخوان في غزة، فلا تعلق، ولا تعقب، ولا ترفض وصفها بذلك، فإذا بها في وثيقتها الجديدة تقوض أسس العلاقة كلها مع الإخوان، وإذا بالحدود المرفوضة لدولة فلسطينية، مقبولة، بل ومكتوبة في وثيقة يطالعها مَنْ يشاء!
ولم يكن هذا هو التغير المباغت الوحيد في عقل حماس، لأننا كنا على موعد بعده بقليل، مع تغير آخر أكبر يؤسس لعلاقة بينها وبين مصر، مختلفة ومغايرة!.. فمن قبل كانت الحدود المصرية مع القطاع تنتقل من توتر إلى توتر أعلى، فإذا بها أيضاً مرشحة لمرحلة غير مسبوقة من الهدوء والتعاون!
لقد زار القاهرة وفد حمساوي، كان يحيى السنوار رئيس الحركة في مقدمته، وحين عاد الوفد دار كلام قوي عن تفاهمات مع الجانب المصري، سيجري الإعلان عنها لاحقاً، وسريعاً.. ويبدو أن الأمر كان في حاجة إلى زيارة أخرى للقاهرة لم يكن السنوار حاضراً فيها هذه المرة، وما كاد وفد الزيارة الثاني يرجع إلى غزة، حتى كانت لهجة الحركة في الكلام قد تبدلت كما لم تتبدل من قبل!
بدأنا نقرأ عن أن منطقة آمنة عازلة عمقها مائة متر، ستقام داخل الأراضي الفلسطينية، بين مصر وغزة، بامتداد 12 كيلومتراً، هي طول الحدود بين الجانبين، وقرأنا أن المنطقة الآمنة العازلة، ستشهد تركيب كاميرات مراقبة حديثة، وستكون المنطقة مضاءة من أولها لآخرها، بما يضمن ضبط الحدود تماماً!
وأعلنت حماس أنها توافق على كل ما تنصح به القاهرة، من أول تشكيل حكومة وحدة وطنية للفلسطينيين جميعاً، سواء كانوا في الضفة أو في غزة، ومروراً ببذل كل الجهد للم الشمل الفلسطيني في أقرب وقت ممكن، ثم وصولاً إلى تحديد موعد لانتخابات تشريعية ورئاسية، تأتي برئيس ومعه برلمان!
كان حجم التغير كبيراً، إلى حد بدا معه في لحظة، كأنه أكبر من قدرة الذين استقبلوه على الاستيعاب، وكان لا بد أن يثور أكثر من سؤال، حول دافع التغير بهذه الوتيرة السريعة، وأكاد أقول اللاهثة، وحول هدفه، ثم حول مدى قابليته لأن يدوم!
إننا نسمع منذ أول أبريل (نيسان) الماضي عن شيء غامض اسمه صفقة القرن، ونسمع أن هذا الشيء يعني قيام دولة فلسطينية إلى جوار الدولة الإسرائيلية، ونسمع أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يشجعه ويتبناه، ونسمع أن صفقة القرن هذه تؤسس لتسوية نهائية للقضية الفلسطينية، ونسمع أن الرئيس محمود عباس سيساعد الولايات المتحدة في اتجاه إتمام الصفقة، ما دام الهدف هو إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 67!
نسمع هذا كله، ونسمع ما هو أكثر منه عن الموضوع نفسه، دون أن يقال لنا لماذا هي صفقة؟!.. وإذا كانت صفقة فما حدودها؟!.. إن مفهوم الصفقة غريب عموماً على دنيا السياسة، التي تتحرك فيها القضية منذ ما يزيد على نصف القرن، ويبدو أقرب إلى عالم التجارة، والبيزنس، والاقتصاد عموماً، منه إلى دوائر السياسة وتقاطعاتها التي تعيش على مفهوم مختلف!
هل القصة لها علاقة بالرئيس الأميركي في المقام الأول، باعتباره قادماً من حقل المال والأعمال؟!.. وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي سيعطيه الفلسطينيون، في مقابل قيام الدولة، ما دام الموضوع موضوع صفقة في أساسه.. يعني هات.. وخُذ!.. وهل في الصفقة أطراف أخرى بخلاف طرفيها الفلسطيني والإسرائيلي؟!.. وإذا كانت هناك أطراف أخرى.. فما دورها؟!
أعود إلى نقطة البدء من عند حماس، ومن عند شبان جنوب غزة الثلاثة لأسأل: إلى أي حد يرتبط التغير الطارئ على الحركة، في وثيقتها، وفي علاقتها مع مصر، بالصفقة وبمآلاتها في النهاية؟!.. إن مشاركة الشبان الثلاثة في عملية رفح، يفرغ المنطقة الآمنة العازلة من معناها، ويعيد خطوة الإعلان عن قطع الرابط بين حماس والإخوان، من خانة الفعل إلى دائرة الكلام، ثم وهو الأهم، يحصر التغير الحمساوي المعلن على مستوييه، مع الجماعة الإخوانية ومع مصر، عند حدود القيادة لدى هنية أو السنوار.. فلا نجده واصلاً إلى تفاعلات الشارع العريض.. ولو وصل، ما خرج الشبان الثلاثة يرفعون السلاح على قوات الجيش!