د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

السياسة والانفعالية والحكمة

مضى إلى حدّ الآن أكثر من شهر على أزمة قطر ولا شيء يوحي بوجود بوادر انفراج نظراً للتعنت القطري، وهو ما يزيد في غموض المآلات وتوقع الأسوأ.
الواضح بالنظر إلى رد قطر أن الأزمة مفتوحة وأن المؤشرات الدّالة على رغبة الدوحة في معالجة الأزمة وإغلاق الملف غائبة إلى حد الآن على الأقل.
وفي هذا السياق من الفهم الخليجي لواقع العلاقات والأزمات والدروس التاريخية نلاحظ عدم تسرع الدول الأربع بقيادة السعودية في كيفية التعامل مع قطر على امتداد السنوات الماضية، حيث كان الصبر والرهان على الحوار غير المعلن وإرسال الرسائل الأسلوب المهيمن على كيفية إدارة ما تسميه الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب في المنطقة «تجاوزات قطر» الخطيرة في مجال تمويل الإرهاب واحتضان ودعم الفاعلين فيه والتستر عليهم، ولكن قطر تمادت.
طبعاً السيناريوهات السيئة والمتأزمة لا تتجسد في ساعات أو في أيام أو في شهور، ولكن الحكمة تقتضي من إنهاء الأزمة الامتثال لمطالب الدول الأربع، لأن الأزمة قد تتحول إلى شيء آخر أكثر خطورة.
يبدو لنا أنه ما يجب أن تفهمه قطر أن التصرف بمسؤولية يقتضي تحكيم العقل كي تكتب تاريخها بعيداً عن العناد والانفعالية، إضافة إلى أن التمسك بدعوى التدخل في سيادتها لا ينسجم مع تجربتها السياسية النشطة في العقدين الأخيرين التي بالتأكيد جعلتها تدرك أن مفهوم السيادة تغير، وأنه لا يمكن اعتماد خطاب السيادة مستنداً قوياً والحال أنها تدافع عن أطراف وجماعات تتدخل في واقع دول المنطقة وتشكل – هذه الأطراف – طرفاً في الحروب القائمة في أكثر من بلد عربي.
أيضاً نعتقد أن خطاب السيادة أصبح بمثابة الحق الذي يراد به باطل وسنتحدث في هذه النقطة بأقصى موضوعية ممكنة: لقد كانت حجة صدام حسين في جوهرها هي مسألة السيادة والكرامة وأيضاً حجة معمر القذافي، وكل الذين راهنوا على خطاب السيادة خسروا، وذلك لأنه خطاب في غير سياقه ومردود عليه. فعندما تدخل صدام حسين في الكويت وفعل ما فعل خسر حقه في توظيف خطاب السيادة. ونظن أن تمويل قطر لمشاريع جماعات كي تستهدف الدول التي تنتمي إليها وغيرها إنما يعتبر تدخلاً واعتداء على سيادة تلك الدول وحق نخبها وشعوبها في تقرير واقعهم.
إن المطلوب يكمن في التعامل مع مطالب الدول الأربع بموضوعية لا من منطلق منطق السيادة الداخلية، خصوصاً أنها تعلم أن سيادتها الداخلية محفوظة، وأن الدول الأربع تحاول حماية أمن المنطقة الذي هو في جزء منه أمن قطر وشعبها.
بل إنّه اليوم يبدو أنه لا سيادة في موضوع يتصل بالإرهاب وإلا لقامت باكستان بالاحتجاج عندما تم استهداف أسامة بن لادن فوق أراضيها مثلاً. فالإرهاب هو طاعون الزمن الراهن ويمس الجميع ويضر الجميع، الأمر الذي جعل كل شيء مباحاً عندما يتعلق الأمر بالإرهاب.
ويظهر لنا أنه يمكن لدولة الكويت توجيه دور الوساطة الذي تقوم به لترويض قطر كي تقارب الأزمة بعين الحكمة والمسؤولية والاتعاظ من التاريخ.