محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

مستر بوند

في الأفلام الغربية، لا يكاد يخلو مشهد يتم فيه إنذار البطل بسوء العاقبة إلا وتسبق العبارة الحاسمة أو تنهيها كلمة تدل على الاحترام.
كنت صغيراً عندما انتبهت إلى هذا وضحكت. يقول المجرم لمن سيقتله الذي يواجهه: You›re gonna end dead, Mister («سوف تنتهي ميتاً، يا سيدي»). سبب ضحكي هو أن المجرم يمنح الضحية لقب «مستر»، تقديراً واحتراماً، وهو الذي يكاد يطلق عليه رصاصة الرحمة.
لكن لاحقاً أدركت أنه لا سبب يدعو للضحك، بل كل الأسباب تدعو للتقدير؛ إنه تقليد ثقافي وشعبي وسلوكي أن يحتفظ الشخص بمظهر احترام للشخص الآخر، حتى وإن كان سيقتله. طبعاً لا يعني ذلك أن الجميع يفعل هذا. وعند كل شعوب العالم كلمات مخصصة للشتيمة، وبعضها لا يمكن نشره في صحيفة أو موقع يحترم نفسه.
في بيروت، خلال فترة انقطاع كهربائي قبل سنوات، دخلت محلاً لإرسال إيميل مستعجل، فهالني كم الشتائم المتبادلة بين فتيان لا يزيد عمر الواحد منهم على ثلاث عشرة سنة، أكبرهم حجماً كان يكرر القول لكل رفيق معه: «يا حيوان». تبدى لي، وقد لا أكون مخطئاً، أنه إنما يكرر ما ينعته به والده في المنزل أو معلمه في المدرسة.
وقبل أسابيع، وصلت مطار هيثرو ووقفت انتظر الحافلة الخاصة بالفندق الذي أنزل فيه. بعد قليل، شاهدت حمالاً في نحو الأربعين من العمر يدفع أمامه كرسياً متحركاً عليه امرأة محجبة، ويسحب وراءه حقيبة كبيرة وخلفهما الزوج. حين وصل هؤلاء بقربي، أوقف الحمال الكرسي جانباً، ووضع الحقيبة إلى جانب الزوجة، وسحب أخرى من تحت الكرسي. نظر الزوج بعيداً عنه، ما دفعه ليقول وهو ينسحب مغادراً: «على الأقل، تستطيع أن تقول: شكراً».
حين ذكرت ذلك لصديق لي، قال إنني أتقصد تسجيل مواقف تنتقد المسلمين والعرب؛ قلت له: هذا ليس صحيحاً لأني أتحدث عن تصرف شاهدته، ولا أعتقد أنه يتكرر على هذا النحو لو أن الغريبين كانا أميركيين أو أستراليين أو يابانيين. إذا لم يرد الزوج دفع إكرامية لفقره، أو بخله، أو لأنه لا يملك «فكّة»، فعلى الأقل ليبتسم ويقول بصدق: «شكراً لك». لماذا نسمع كلمة «شكراً» بين الغربيين بكثرة تُقال لنا، بينما يضن بعضنا بقولها لزوجته أو لابنه أو لجاره أو لمن لا يعرفه؟
المسألة ليست حكراً علينا نحن العرب، بل أروي ما شهدته وشعرت بأن ذلك الرجل باحتقاره الحمّال سكب زيتاً فوق نار التنميط السائد عنا.
طبعاً هناك مساوئ كثيرة في سلوكيات الغرب، لكن ليس على مستوى اجتماعي عام، بل محصورة في بيئات تحكمها عوامل مختلفة كالعنصرية أو الكراهية.
وبالعودة إلى الأفلام، هل تذكرون العبارة التي قالها المجرم غولد فينغر في فيلم جيمس بوند Goldfinger؟ ها هو بوند ملقى على طاولة معدنية، وهناك أشعة ليزر تقطع الطاولة إلى نصفين، وتكاد تصل إلى جسم بوند المربوط فوقها. وفي محاولة يائسة لإنقاذ نفسه، يقول بوند: «هل تتوقع أن أعترف لك وأنا على هذه الحالة». يضحك المجرم الأرستقراطي (قام به غيرت فروبي) ويقول له: No Mr. Bond, I expect you to die. نعم، لم ينس كلمة «مستر».