زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الأهرامات ليست مصرية!

ما زلنا نتحدث عن الأهرامات المصرية التي تثير خيال العامة في كل مكان بالعالم. وهناك الملايين الذين يعتقدون أنها - أي الأهرامات - ليست صناعة مصرية. وأنا دائماً أعلن أن أي شخص لم يدرس الأهرامات وجاء إلى مصر، لن يتصور أن الهرم بناه المصريون القدماء، وخاصة لأن أغلب الآراء التي كُتبت عن بنائها ليست صحيحة، مثل أن العمال الذين قاموا ببناء الهرم الأكبر بالجيزة كانوا يعملون فقط خلال أيام الفيضان، أي يعملون فقط خلال أربعة شهور في العام! وكذلك أن الملك «خوفو» حكم 23 عاماً طبقاً لبردية تورين. وأيضاً أن الأحجار التي بُني بها الهرم أحضرها المصريون القدماء من طرة، والتي تبعد أكثر من عشرة كيلومترات عن الهرم. وأخيراً أن أحجار الهرم يصل عددها إلى نحو مليونين و300 ألف حجر، يزن الواحد منها ما بين طنين إلى عشرة أطنان. لذلك يعتقد الملايين أن الهرم ليس صناعة مصرية، وهناك الكتب التي تتحدث عن خزعبلات من نوعية الفضائيين أو علماء الأطلانتس، وكذلك المقالات التي ينشرها العامة ويؤكدون فيها أن البشر لا يمكن أن يقوموا بهذا العمل!
ولو نظرنا إلى الاعتقادات التي أشرت إليها، وأن العمال يعملون خلال الفيضان أربعة أشهر، فمعنى ذلك أنهم كانوا ينقلون حجراً كل ثانية، وبالطبع هذا العمل لا يقدر عليه البشر. ولكن الثابت أن العمال كانوا يعملون طوال العام، وكانوا يحصلون على يوم واحد راحة كل عشرة أيام، وجاءت هذه المعلومات بعد كشفنا عن مقابر العمال بناة الأهرام، والتي أثبتت للعالم كله أن الأهرامات بناها المصريون، وأنها لم تُبن بالسخرة؛ لأن العمال قد دفنوا بجوار الهرم، ولو كانوا عبيداً لما دفنوا ومعهم أيضاً ما يحتاجونه في العالم الآخر حسب معتقداتهم.
وقد تأكدنا أن الهرم كان المشروع القومي لكل المصريين؛ ولذلك كانت العائلات الكبيرة التي تحكم الصعيد والدلتا تشارك في بناء الهرم، ويرسلون العمال للعمل في بناء الهرم، بالإضافة إلى أننا عثرنا على صوان حجرية كبيرة كانوا يرسلون فيها المأكولات التي تساعد على إعاشة العمال، وبالتالي كان الملك يقوم بإعفائهم من دفع الضرائب، وأكد ذلك أن الهرم كان المشروع القومي الذي يشارك فيه كل المصريين.
والمؤكد أن الذي قرر أن عدد أحجار الهرم يصل إلى أكثر من مليوني حجر، لم يكن يعرف أن قاعدة الهرم من الصخر الطبيعي، وأنها ترتفع بما يزيد على سبعة أمتار، ويمكن رؤيتها من الناحية الجنوبية للهرم، ولذلك أعتقد أن أحجار هرم الملك «خوفو» لا تزيد عن مليون حجر. وأن هذه الأحجار تزن فقط ما بين نصف طن إلى طنين ونصف فقط، وأن الطريق الصاعد الذي نُقلت عليه الأحجار من المحجر إلى قاعدة الهرم لم يصل إلى منتصف الهرم، بل كان يتصل بالناحية الجنوبية الغربية من الهرم بحيث يصبح طريقاً ثابتاً، وكان يُبنى من دبش الحجر والطفلة. وقد قمنا بعمل حفائر شمال وجنوب الطريق الأسفلتي لهرم الملك «خوفو»، وعثرنا على بقايا هذا الطريق في الناحيتين. ونحن نعرف أن الناحية الجنوبية لأي هرم في الدولة القديمة كانت تحتوى على الأهرامات الجانبية أو أهرامات الملكات، ولكن مهندس الهرم نقل هذه الأهرامات إلى الناحية الشرقية حتى تصبح الناحية الجنوبية خالية تماماً من أي مبان، حتى يمكن بناء الطريق الصاعد. أما المراكب الموجودة فقد بناها ابن الملك «خوفو» بعد وفاته، والمقابر تعود إلى عصر الملك «خفرع».