آيلين كوجامان
كاتبة معلقة ومحللة في التلفزيون التركي
TT

الغرب الذي سيقدم الحل لنيجيريا

أفريقيا القارة الملونة، تضم كثيرا من الديانات المختلفة والأصول العرقية والشعوب والقبائل. إنها ثرية للغاية بالموارد الطبيعية؛ وتحتوي أراضيها على النفط والذهب والألماس واليورانيوم، ويتميز الشمال على وجه الخصوص بالخصوبة المناسبة للزراعة. كما يرجع تاريخ القارة إلى آلاف السنين، ويعرف بالعقائد والقبائل التي عاشت في صداقة وأخوة على مدار هذه السنين.
إنه القرن العشرون الذي شهد ذبول هذه القارة. بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، ظهرت أفريقيا المستعمرة من قبل الغرب على الساحة العالمية. وتحولت إلى قارة تخضع مواردها وأراضيها وشعوبها للعبودية. وعندما «مُنحت» الدول الأفريقية التي كانت تحت الاستعمار الغربي استقلالها في الستينات، كان من المتوقع أن يتغير كل شيء، ولكن ما أصاب أفريقيا في هذه المرة نبع من داخلها. فتحت خزائن ثرواتها الدفينة، وظهرت الشركات والأثرياء والفقراء. بدأ المسلمون والمسيحيون والشعوب والقبائل في التناحر في ما بينهم. وكان انعدام الاستقرار نتيجة ضرورية للحفاظ على النظام «الاستعماري»، الذي ترسخ بواسطة إذكاء «العوامل الداخلية».
ومنذ عام 1960، تعرضت الشعوب الفقيرة في الدول الأفريقية «الثرية» إلى انقلابات أو حروب أهلية. نيجيريا واحدة من هذه الدول. تقوم جماعة بوكو حرام بقتل وحرق وتفجير وخطف الفتيات منذ تأسيسها في عام 2002. ويأتي حادث اختطاف نحو 300 فتاة والمجزرة الجماعية التي ارتكبت ضد سكان إحدى البلدات ليمثلا كارثة جديدة تضع هذه المأساة أمام ناظري العالم.
هل فاض الكيل بـ«بوكو حرام» من الغرب، كما يزعم بعض المحللين؟ أشك في ذلك. قد يقلل ذلك من أهمية مأساة التطرف التي تحولت إلى دراما منتشرة حول العالم، لكني أعتقد أن سياسة التمييز الممنهج التي يطبقها الغرب في أفريقيا من أجل مصالحه الخاصة، هي نقطة البداية لما يحدث.
تتعلق المسألة الآن بمجموعة من الدول، من بينها أميركا وبريطانيا العظمى، اجتمعت معا وبدأت في المفاوضات من أجل إطلاق سراح الطالبات. تلقى هذه المبادرة نظرة مرتابة من جميع المحللين في بلدي تركيا. لقد أثارت التجربة السيئة في العراق وأفغانستان غضب كل من سمع كلمتي «المساعدة الأميركية». وتثير تساؤل: هل تسفر مهمة رحيمة عن إراقة دماء جديدة في أعقابها؟.. هل يكون الدور على شعب نيجيريا هذه المرة؟
من المحزن أن تتسبب «المساعدة الإنسانية» في إثارة مثل هذه الشكوك عندما تتداخل معها عوامل مثل النفط والغاز الطبيعي. نيجيريا ليست من الدول التي يستطيع الغرب أن يفقدها؛ فوفقا لإحصائيات صدرت عام 2012 تُعد نيجيريا أكبر منتج للنفط في أفريقيا. وهي رابع أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي. وتمثل أكبر اقتصاد في أفريقيا، إذ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لها 510 مليارات دولار. كما أن فيها مخزون نفط يساوي 37.2 مليار برميل، وهو ثاني أكبر مخزون بعد ليبيا. وفي ما يتعلق بمخزون الغاز الطبيعي، فهو الأعلى في أفريقيا.
إذا رغب الغرب في اتباع الطريقة التقليدية بحدوث «مزيد من الاضطرابات، وبالتالي ارتفاع احتمالات الاستغلال»، فلن تكون فكرة تعرض نيجيريا إلى هجمات طائرات دون طيار بسبب بوكو حرام شيئا من خيال. من المؤسف أن القوة الوحشية في أغلب الأحيان هي الرد الغربي التقليدي، على الرغم من الضرر الذي تلحقه وانعدام جدواها في ما يتعلق بالنتائج. ولكن إذا كان لدينا غرب ينظر إلى هذه المأساة على أنها مشكلة إنسانية، ويتحد بالفعل من أجل هذه المهمة الرحيمة، فيجب تذكر بعض النقاط: التفكير المتطرف دائما ما يكون متشابها، إذ يعتمد على العداء، وهدفه الأول هو المرأة ثم الغرب. لذلك من الصعب أن يؤتي سعي الغربيين إلى إجراء «مفاوضات» ثماره. ربما تستطيع قوى غربية أن تتفوق عبر التهديدات أو الحصار أو الاعتقالات، وربما يساعد ذلك على تحرير الفتيات، لكنه سيكون نصرا قصير الأجل. يجب أيضا ألا ننسى أنه على الرغم من إمكانية إضعاف ذلك للتنظيم، فإنه لن يدمره تماما.
المهم هو الحل الدائم.
نوجه الدعوة ذاتها إلى الغرب منذ حرب العراق، دعوة إلى التخلي عن القوة الوحشية أمام تهديد التطرف، وإلى التركيز على برنامج شامل وواسع النطاق في مجال التعليم. يجب أن تستمر الدول الغربية باستراتيجية المساعدة في مواجهة المآسي الذي تحدث في نيجيريا، ولكن في الوقت ذاته يجب أن تركز على حل دائم، استراتيجية التعليم، قبل أن تغرق في مزيد من الهزائم.
لا يمكنهم أن يقدموا هذا التعليم بطريقة مباشرة. المسلمون العقلانيون فقط هم الذين يستطيعون أن يعلموا جماعات مثل بوكو حرام عن طريق القرآن، وأن يوضحوا لهم بالأدلة من القرآن أن أفعالهم لا تمتثل له. ينبغي أن تكون مهمة الغرب هي نشر هذه الاستراتيجية التعليمية، ودعم المسلمين العقلانيين، والاستثمار في هذا البرنامج التعليمي، بدلا من التسلح والاعتماد على استعراض القوة.
من يتوصل إلى المعرفة بأن معظم ما يؤمن به باسم الدين ليس له معنى، لن يؤمن بالسلاح أو بـ«بوكو حرام». وإذا كان الغرب مخلصا بصدق، فيجب أن يجفف المستنقع ويهاجم الآيديولوجية الكامنة في عقول الناس من خلال التعليم.