محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

حفلات الكذب!

سأل الباحث في شؤون الاتصال بجامعة كورنيل العريقة جيف هانكوك مجموعة من المشاركين في دراسته بأن يدونوا، بطريقة علمية، لمدة أسبوع ما يجري من كذب في محادثاتهم. فتبين له أن الآخرين قد كذبوا عليهم بنسبة 14 في المائة‏ عبر البريد الإلكتروني، و21 في المائة‏ عبر دردشات الرسائل النصية القصيرة، و27 في المائة عبر النقاش الشفهي، ونحو 37 في المائة عبر المحادثات الهاتفية.
ويبدو جلياً من هذه النسب أن الناس تكذب أكثر في الحوارات الشفهية ولكن حينما يطلب منها الكتابة ‏تكون أكثر حذراً في الإقدام على الكذب. وهذه الدراسة مؤشر على أن النقاش الشفهي في الأزمات يكون مرتعاً للشائعات والطابور الخامس، ويروى أن «الطابور الخامس» مصطلح أطلقه جنرال إبان الحرب الأهلية الإسبانية، في حقبة الثلاثينات، حينما قال إن هناك طابوراً خامساً يعمل ضد الحكومة، غير الطوابير الأربعة الموالية، فصارت مثلاً يضرب في أدبيات علوم السياسة والإعلام. ولم يعد هذا الطابور يضر الحكومات بقدر ما يضر البلدان بأسرها عند بث شائعات تثير الفتنة والإضرابات وترويع الآمنين.
وهذا ما دفع الشاب السعودي ريان عادل إلى تأسيس حساب تطوعي في «تويتر» سماه «هيئة مكافحة الإشاعات» يتقصى من خلاله صحة الإشاعة ثم ينشر «الحقيقة» و«الإشاعة»، عبر اتباع تقنية فنية للتأكد من صحة الصورة أو الفيديو.
والكذب أنواع أو درجات فحتى المبالغات أو التهويل من حدث بسيط يخشاه البعض قد يدخل في خانة الكذب لأنه يريد جر الناس نحو مخاوف تقض مضاجعهم أو تفاقم توترهم.
والتاريخ يزخر بسيل من الأكاذيب وهو ما اعترف به رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل حيث قال إن «الحقيقة غالية جداً، ولذا يجب أن نحميها بجيوش من الأكاذيب». وهذه المقولة كثيراً ما تذكرني بوزير الدعاية السياسية في عهد الزعيم النازي هتلر الذي كان يردد عبارته الشهيرة «اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس»! ولو عاش تشرشل في زماننا لتراجع عن مقولته ذلك أن الناس صاروا قبل أن ينهي المسؤول حديثه قد تأكدوا من صحة معلوماته عبر ضغطة زر هاتفية تأخذهم عبر الإنترنت لمواقع محايدة أو بالأحرى تحترم عقل المتلقي.
المشكلة ليست في «حفلات الكذب» بل بتداعيات مشاعرنا نحو صاحب الكذبة، ولذا قال الفيلسوف نيتشه: «لست منزعجاً لأنك كذبت عليّ، لكنني منزعج لأنني لن أصدقك بعد هذه المرة».