باسكال غوبري
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

ماكرون والكثير من الغموض

يعكس الصعود السريع والمذهل للرئيس الفرنسي المنتخب حديثاً إيمانويل ماكرون إلى سدة الرئاسة الفرنسية، الكثير من الغموض حول الطريقة التي سوف يحكم بها بشأن الكثير من القضايا المهمة. ومن واقع خبرته السابقة في الشؤون المالية والاقتصادية، يفترض الكثيرون أنه تركيزه سوف ينصب على السياسات الداخلية، وبعد كل شيء، ليس هناك من سجل معروف للرئيس الفرنسي الجديد فيما يتعلق بقضايا الأمن القومي.
تبعث المؤشرات الأولية، برغم ذلك، برسالة معاكسة – أن ماكرون سوف يزداد اضطلاعاً وتفاعلاً على جبهة السياسات الخارجية. وعلى الرغم من كافة أحاديث التعددية التي تفوه بها خلال حملته الانتخابية الأخيرة، يبدو أن ماكرون صقر من الصقور الصارمة، وعلى استعداد تام لاستخدام القوة العسكرية الفرنسية والنفوذ السياسي على الصعيد العالمي.
لمح الرئيس الفرنسي الجديد بأنه سوف يترك أغلب الخطوات الأولى للإصلاحات الداخلية إلى حكومته المشكلة حديثاً تحت قيادة رئيس الوزراء الجديد إدوارد فيليب. وفي الأثناء ذاتها، أبدى ماكرون اهتماما كبيرا بأجندة السياسة الخارجية للرئاسة الفرنسية، ولا سيما فيما يتعلق بالمؤسسة العسكرية ومكافحة الإرهاب.
ومن واقع علاقاتها التاريخية مع منطقة الشرق الأوسط، وهجمات تنظيم داعش الإرهابي على أراضيها، والأعداد الكبيرة من المتطرفين الفرنسيين الذين يقاتلون في صفوف «داعش»، تحتل فرنسا المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة للبلدان المخولة بمكافحة الإرهاب. وعلى نطاق أوسع، لا تزال فرنسا من أبرز اللاعبين على المسرح الجيوسياسي العالمي، وأحد البلدان القليلة التي تملك قوات بحرية تعمل في أعالي البحار، وترسانة نووية رادعة، ووجوداً عسكرياً مؤثراً في كل قارة من قارات العالم.
وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية، أشار الرئيس الفرنسي إلى مذكرة متعددة الأطراف، داعياً من خلالها إلى الدفاع الأوروبي المشترك. وقال في ذلك الوقت: «لا بد أن نصوغ استقلالاً ذاتياً استراتيجياً على المستوى الأوروبي».
ومن الواضح كذلك، أنه يستمتع بدوره بصفته قائداً عاماً للجيش الفرنسي. ولقد شهد حفل تنصيبه عزف بعض المقطوعات الموسيقية ذات الصبغة العسكرية؛ الأمر غير المعتاد بالنسبة للدولة الفرنسية.
ولقد أعاد وزارة الدفاع الفرنسية إلى مسماها القديم إبان الرئيس الراحل شارل ديغول (وزارة الجيوش الفرنسية)، وهي الخطوة التي ترجح الكثير من الرموز والدلالات. ولقد قام بزيارات متعددة إلى المحاربين القدامى المصابين وإلى القواعد العسكرية الفرنسية في الخارج. ومن المؤكد أنه يتذكر منذ وقت عمله في قصر الإليزيه تحت قيادة الرئيس الأسبق فرنسوا هولاند كيف كانت التحركات العسكرية الفرنسية الصارمة الأخيرة هي الجانب الوحيد من رئاسته للبلاد التي نالت إعجاب وتقدير الشعب الفرنسي. وفي ظل الوحدات العسكرية الفرنسية التي تجوب الشوارع والميادين في مختلف المدن في استعراض واضح للقوة في مواجهة الإرهاب، فإن القضايا الأمنية تحتل رأس أولويات السواد الأعظم من الناخبين الفرنسيين.
ولذلك؛ وبعد توليه الرئاسة، بعث ماكرون بالكثير من الإشارات التي تعكس نيته لأن يكون قائدا عاما للجيش الفرنسي من زمرة الصقور، والقائد الذي سوف يتخذ الإجراءات الحاسمة أولا سوف يفكر في التحالفات في وقت لاحق.
لكن أكثر تلك الإشارات دلالة جاءت خلال وقت موجز للغاية خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أعقاب اجتماعهما الأول. في رد على سؤال حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، أجاب الرئيس الفرنسي قائلاً: «هناك خط أحمر واضح للغاية من جانبنا»، في انتقاد صارخ لرفض الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما استخدام القوة العسكرية في فرض هذا الخط الأحمر المعلن من قبل. والأكثر من ذلك، أن ماكرون أضاف: «أي استخدام للأسلحة الكيميائية سوف يُقابل بإجراءات انتقامية حاسمة وضربات مضادة صارمة، من الجانب الفرنسي على أدنى تقدير».
ولم تكن الرسالة مقصودة نحو موسكو ودمشق فحسب، ولكنها موجهة إلى واشنطن، وبروكسل، وبرلين كذلك، ومفادها: فرنسا سوف تتحرك عندما يجب عليها التحرك، ولسوف تفعل ذلك منفردة.
*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»