حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

في بريطانيا فاز المسلمون وخسر الإرهاب

كان لافتاً لأنظار المراقبين فوز 16 بريطانياً مسلماً بعضوية البرلمان البريطاني، هذا العدد يعتبر نسبياً كبيراً، عطفاً على ما صاحب الحملات الانتخابية من حوادث إرهابية في لندن ومانشستر، فكانت المحصلة المنطقية عند البعض أن تخفت حماسة المجتمع البريطاني لتمثيل البريطانيين المسلمين، فالناخب شديد الحساسية والتأثر بما يجري في محيطه السياسي والاجتماعي، والهجمات الإرهابية كلها حملت بصمة مسلم، لتأتي نتائج الانتخابات البرلمانية للمسلمين إيجابية غير مكترثة بتداعيات هذه الهجمات الإرهابية ولا متأثرة بصداها الإعلامي.
إن قدرة المجتمع البريطاني على فرز الأحداث وعدم إسقاطها على العملية الديمقراطية في بلاده هي أحد المظاهر الحقيقية للحضارة، وليست الحضارة، كما يفهمها بعض المشرقيين، في أبراج مشيدة وقصور فارهة ومراكب فاخرة.
الحضارة الحقيقية هي في قدرة المجتمعات الغربية على استيعاب مكوناتها الثقافية والدينية والمذهبية والعرقية وقدرتها على تحييد أقلياتها المسلمة عن عالم الإرهاب حتى رأينا عدداً من الساسة في الدول الغربية وفور وقوع هذه الهجمات الإرهابية يسارعون إلى تبرئة الأقليات المسلمة ومؤسساتها ومراكزها من الأعمال البشعة، التي يرتكبها إرهابيون متطرفون.
بل إن لدى الدول الغربية قدرة لافتة على عزل المؤسسات والمراكز الإسلامية المعتدلة، وهي التي تشكل الأغلبية عن محيط المتشددين، والإفادة منها في محاربة التطرف والغلو والإرهاب، وأذكر في هذا المقام أن مركز التراث الإسلامي البريطاني في مدينة مانشستر، والذي أتشرف بترؤس مجلس إدارته يتعاون مع المؤسسات البريطانية الرسمية في معالجة ظاهرة التشدد، وينسق حالياً مع الشرطة البريطانية المحلية لتنظيم دورات لأفراد الشرطة تمنحهم فهماً أكثر للجالية ومذاهبها ومصادر التشدد، التي صارت هماً مؤرقاً للمجتمع البريطاني والأقلية المسلمة على حد سواء، وتقديراً للدور الذي يقوم به هذا المركز قبل السيد وارن سميث ممثل ملكة بريطانيا في منطقة مانشستر على أن يكون الراعي للمركز، وهذا تصرف حصيف وذكي من المؤسسات البريطانية الرسمية في تشجيع اندماجها مع المجتمع المحلي، وإشراكها في القضايا الملحة كمسألة التشدد والإرهاب، فليس أقدر على تشخيص أمراضها من المؤسسات الإسلامية المعتدلة التي على دراية أكثر بمجتمعاتها.
أقول هذا وأنا أدرك أن اليمين المتطرف في الدول الغربية بدأ يقضم من مساحة الأحزاب التقليدية المعتدلة، وليس ثمة خيار آخر للأقليات المسلمة غير إثبات حضورها في الساحة السياسية وحتى الأمنية لكي تعمل معها للحد من ظاهرة انتشار جرثومة الغلو والتشدد التي أصبحت عابرة للقارات، وما النجاح اللافت الذي أحرزته الأقلية المسلمة في بريطانيا برفع عدد المسلمين في البرلمان البريطاني إلا خطوة في الاتجاه الصحيح لإيصال صوتها وهمومها، ولكي تكون جزءاً من الحل بدل أن تكون جزءاً من المشكلة كما يروج لذلك قادة اليمين المتطرف.