فضيلة الجفال
أعلامية و كاتبة سعودية
TT

مستقبل «قاعدة العديد» القطرية.. هل يقلب الدراما السياسية؟

«العديد»؛ القاعدة المختبئة غرب الدوحة وكأنها موقع لفيلم من الخيال العلمي، بها نحو 11800 ألف عسكري أميركي يذرعون تلك البقعة الضخمة التي تعج بالمقاتلات والطائرات الاستطلاعية والعتاد العسكري. هي «المركز العصبي»، بحسب وصف هذه القوات، الذي يشرف على القوة الجوية الأميركية في المنطقة بما في ذلك أفغانستان والعراق، منذ 2003، وقد كان مشروع القاعدة منذ البداية مغرياً لقطر لجذب الولايات المتحدة بعيداً عن السعودية، أولا لدعم موقعها الاستراتيجي وثانيا لتأمين موقعها. والمثير أن قناة الجزيرة القطرية شنت هجوما إعلاميا مكثفا على السعودية عام 1996 بشكل أثارت فيه الرأي العام ضد السعودية، مطالبة بإخراج القوات الأميركية من الجزيرة العربية، لكنها صمتت تماما بعد انتقال القوات إلى قطر!
والقاعدة بطبيعة الحال هي ما تعول عليه قطر في تحركاتها في المنطقة بثقة متناهية. يذكر أن قطر استثمرت أكثر من مليار دولار لإنشاء القاعدة في التسعينات، كما أنها لا تطلب أجرة من الولايات المتحدة. بل إنه كما قالت تسريبات «ويكيليكس» قبل سبع سنوات، تتكفل قطر بنحو 60 في المائة من تكلفة أي تطوير يجري على القاعدة. وهذا سبب مهم يضيف إلى فكرة التساؤل حول إمكانية نقل القوات الأميركية من قاعدة العديد إلى مكان آخر بميزات مشابهة. ورغم أن عمر القاعدة قصير نسبيا، فإن القوات الآن تتذمر من قدم المرافق وانتشار الروائح جراء الرطوبة والحرارة وغياب الصيانة. وقد غطى الإعلام الدفاعي العسكري الأميركي غير مرة شكاوى القيادة والعسكر المتكررة خصوصا في الفترة الأخيرة. إلا أن ما سلط فلاشات الأضواء على هذه القاعدة هو ذلك النقاش الجدلي حين عقد معهد الدفاع عن الديمقراطية بالتعاون مع جامعة جورج تاون ومعهد هيدسن قبل أيام من قمة الرياض في واشنطن ندوة خاصة حول قطر.
شارك في الندوة كل من رئيس اللجنة الخارجية لمجلس النواب إيد رويز ووزير الدفاع السابق روبرت غيتس، وهما اللذان دعوا معا إلى نقل القوات الأميركية من قاعدة العديد إذا لم تبذل قطر جهودا كافية لمكافحة الإرهاب. وكل من غيتس ورويز جمهوري بارز نسبيا ومعتدل، كما أن الأول عمل في الاستخبارات المركزية لستة وعشرين عاما ثم ترأسها. وهنا أيضا محط الإثارة، فالجمهوريون يسيطرون الآن على مجلسي النواب والشيوخ كما البيت الأبيض. لا سيما أن رويز أبدى استعدادا لدفع الكونغرس لاعتماد مغادرة القوات للقاعدة. هذه الندوة التي أشارت صراحة أيضا لقطر بأنها ساعدت في تمويل «القاعدة» و«داعش» وجماعة الإخوان وطالبان وحماس كانت الشرارة التي أطلقتها واشنطن قبل قمة الرياض، والتي أكدتها تغريدات الرئيس ترمب مؤخرا ملمَحها أن ثمة بداية لنهاية وشيكة نحو من يمول ويدعم الراديكالية. وظهر تصريح للشيخ تميم بن حمد آل ثاني بعد قمة الرياض يقول فيه عن قاعدة العديد بأنها «حصانة لقطر من أطماع بعض الدول المجاورة، وإن كانت تُمثّل الفرصة الوحيدة لأميركا لامتلاك النفوذ العسكري بالمنطقة، في تشابك للمصالح يفوق قدرة أي إدارة على تغييره». في تلميح إلى عدم وئام مع إدارة الرئيس ترمب.
وتصاعد الموقف السعودي الخليجي تجاه قطر حتى قطع العلاقات. انضم إلى الموقف كل من مصر وحكومة اليمن الشرعية ولحقتهم عدد من الدول بقطع العلاقات أو التخفيض الدبلوماسي. لم يكن الموقف مفاجئا على أي حال، بل عبارة عن كرة ثلجية متدحرجة وصلت لمستوى متضخم صبر عليه مختلف الأطراف طويلا، ولم تعد الهدنة مع قطر ملائمة بل المواجهة. لكن الموقف من قطر لا يخص قطر وحدها على أي حال فهي الرسالة الحاسمة الأشد إلى دول أخرى تدعم الإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة. قطر ولا شك هي جزء لا يتجزأ من الأمن الإقليمي العربي الخليجي. وليس عزل سياسة قطر إلا مشروع عزل لتلك الدول وعلى رأسها محور الشر إيران. ولطالما حاولت قطر لعب دور محوري وعلى مختلف التناقضات الممكنة. لكن هذه التناقضات ليست أقل من مشاركتها دول التحالف في حرب الإرهاب ودعمها له في وقت واحد، وكذلك فعلت مع التحالف في حرب الحوثيين.
ما يحدث الآن من موقف حاسم هو تدشين لحقبة جديدة أعلنتها قمة الرياض. هو تأبين سياسة قطر، ودفن سلوكيات إيران وكل الحركات العابرة للحدود ومنها «حزب الله» والإخوان وحماس والحوثيين وكل ما تدعمه قطر مع شريكتها إيران. هو شطب لحرب البروكسيات القائمة على الآيديولوجيا، وتشييع جثمان الإسلام السياسي سنيا وشيعيا. وفي حال اتخذت الولايات المتحدة قرارها بنقل قاعدتها، فيمكن استيعابها بكل بساطة في دول الجوار.
لا شك أن سلوكيات قطر لن تتغير من دون كشف الغطاء الأمني عنها، وشدها نحو امتدادها الخليجي وعودتها لحجمها الطبيعي. ونقل القوات ليس مجرد تحرك مؤقت مرتبط بولاية لإدارة أميركية، بل يعني قطع بذرة الشر من جذورها، بشكل يقلب الدراما السياسية في المنطقة إلى الأبد.