أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

قطر ومعضلة الجغرافيا

أمر محزن ومؤسف ما آلت إليه الأمور مع قطر داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي، ومع جمهورية مصر العربية وليبيا، مع قرار السعودية والإمارات والبحرين ومصر وليبيا قطع العلاقات معها. هذه المرة لم يكن استدعاء السفراء كافيا كما فعلت الدول الخليجية الثلاث ومصر في عام 2014، إثر تدخل الدوحة في الشؤون الداخلية لهذه الدول، والتنصل من اتفاقيات موقعة توحد الصف الخليجي ضد التهديدات الأمنية التي تواجهها المنظومة الخليجية. كما وسبق للسعودية أن استدعت السفير القطري عام 2002 بسبب تنديد قناة «الجزيرة» القطرية بمبادرة السلام العربية التي قدمتها الرياض في القمة العربية وتبنتها القمة، إضافة إلى تعرض قناة «الجزيرة» القطرية بالسوء إلى المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله. المشكلة في قطر تحركها ذراعان؛ الذراع الإعلامية المتمثلة في قناة «الجزيرة» أولا، حتى إن البعض كان يعلق بأن دولة قطر تعمل لدى قناة «الجزيرة» وليس العكس! وأصبحت «الجزيرة» هي عنوان قطر وسفيرها الدولي، لكنه ممثل سيئ بلغتيه العربية والإنجليزية. ومنذ نشأتها عام 1996 دأبت على تناول قضايا الدول العربية بصورة سلبية تثير الكراهية وتغذي الخلافات والاستقطاب. وللأسف أنها استطاعت أن تكسب الشارع العربي الموجوع من انكساراته منذ عام 67، مستغلة القضية الفلسطينية ومكانتها لدى العرب والمسلمين لتمرير أجندتها التخريبية. ولولا أن السعودية أنشأت قناة «العربية» لأصبح الشارع العربي الذي وقع تحت تأثير التنويم المغناطيسي الإعلامي من «الجزيرة» لا يزال نائما عن حقيقة هذه القناة، ودورها الهدام الذي أضر بالدوحة أكثر من أي عاصمة عربية أخرى.
بعد قيام الثورات في بعض البلدان العربية في 2011، ازدادت قناة «الجزيرة» شراسة، واتضح سوء سريرتها بالنفخ في نار الثورات وتشجيعها. وحتى في القضية السورية التي تظل القضية الإنسانية الكبرى اليوم للعرب، كان تدخل إعلام قطر كارثيا من خلال تحويل الثورة الوطنية ضد طاغية إلى قضية مؤدلجة دينياً، ودعمت الدولة القطرية الميليشيات المتطرفة؛ «جبهة النصرة» و«داعش» بالمال والسلاح، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من تعقيدات.
الذراع الثانية لقطر هم الغرباء المنتفعون ماليا، والمهيمنون على القرار في الدوحة. قطع العلاقات اليوم قرار مصيري، لأن مسوغاته تمس أمن الدول الخليجية الثلاث ومصر وليبيا، بعدما اكتشفت أجهزتها الاستخباراتية دعم قطر للأعداء المباشرين لهذه الدول مثل الحوثيين والإخوان المسلمين و«داعش» وعملاء إيران في البحرين والمنطقة الشرقية في المملكة. الحرب في اليمن على سبيل المثال هي حرب حاسمة ضد تهديد إيران لدول الخليج، كيف يمكن لأي دولة خليجية شقيقة أن تتجرأ على طعن تحالف الشرعية في اليمن في ظهره؟
ليس أسوأ من الخيانة، خصوصا حينما تأتي من القريب. وللأسف فقدت الدوحة التحكم في زمام أمرها بعد أن أصبحت تحت إمرة الأجانب الذين استضافتهم من خارج حدودها الجغرافية ليوجهوا سياساتها، ويرسموا علاقاتها، فاقتصوا من سيادتها حتى أصبح رأس الحكم في الدولة يوقع اتفاقا مع قادة الخليج اليوم، ويتراجع عنه بعد أشهر قليلة.
ما هدف قطر من كل هذه التجاوزات؟ تفسيري أن قطر منذ انقلاب 1995 واستيلاء الشيخ حمد على الحكم وإقصاء والده، تعاني من حالة فوبيا من كل من حولها، رهاب فقدان الحكم وعاقبة الانقلاب، وتعتقد أن الرياض التي كانت على علاقة طيبة بالأب الشيخ خليفة تمثل تهديدا وجوديا لها، مما جعلها تهرب إلى الأمام بتأسيس قناة «الجزيرة» في عام 1996، ثم في عام 2003 بالإلحاح على واشنطن لإقامة قاعدتين عسكريتين لها في الكثير والسيلية، والوقوف مع إيران علنا كما حصل في اعتراضها على عقوبات مرتبطة بملفها النووي، وتوقيعها على اتفاقيات أمنية ودفاعية مشتركة معها، كما قررت احتضان جماعة الإخوان المسلمين التي تمثل أصل البلاء كما ذكر الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله. وجاء دعم جماعة الإخوان المخربة على حساب القضية الفلسطينية التي ازدادت تشرذما بفعل التدخل القطري، وبالتآمر على الإمارات العربية المتحدة، وعلى العنف في مصر من خلال تسليح «داعش» في سيناء بتهريب الأسلحة من ليبيا التي أصبحت مخزنا للسلاح القطري الذي تدعم به الجماعات الإسلامية التي أطالت أمد الصراع في ليبيا، وهذه الأخيرة نددت في مجلس الأمن بتدخل قطر في شأنها الداخلي، بوقوفها ضد الحكومة وضد الجيش الوطني، وتمويل المنشقين الإرهابيين. حتى التقارير الأميركية باتت تؤكد علاقة المال القطري بدعم «داعش»، مما يجعلها في مرمى العداء الدولي، إضافة إلى سمعتها التي باتت أشبه بسمعة إيران.
طريق طويل قطعته الدوحة منذ أكثر من عقدين أوصلها إلى حافة هاوية.
معضلة قطر التي ستواجهها إثر تداعيات هذه القرارات الخليجية والعربية تتمثل في موقعها الجغرافي. يبدو أن خريطة قطر كانت غائبة عن حسابات القيادة القطرية. شبه جزيرة قطر مثل ورقة الصبار، والقرارات الخليجية قطعت منبت هذه الورقة، وأصبحت بعيدة عن جذورها التي تغذيها. فمثلا منفذ سلوى السعودي هو المعبر البري الوحيد مع قطر، قرار غلقه سيؤدي إلى إرباك في سوق الواردات القطرية التي تعتمد على السوق السعودية، خصوصا المتعلقة بالمواد الغذائية والإنشاء، مع غلق الأجواء والموانئ.
قطر أصبحت في عزلة مخيفة وكأنها غرفة أطفئت أنوارها. قطع العلاقات سيقلب شبه الجزيرة القطرية رأسا على عقب؛ الأسهم القطرية هوت إلى أدنى مدى، ووكالات التصنيف الائتماني تتوقع خفضا جديدا تلا الانخفاض الذي جرى قبل أيام في تصنيفها الائتماني، نظرا لعدم الوضوح في مستقبل التجارة، وشركة الطيران القطرية في طريقها إلى خسارة المليارات، كما أن شح المواد الغذائية المتوقع خصوصا في شهر رمضان أدى إلى هلع واندفاع لشرائها من الأسواق. هذه الحالة أشبه بأجواء حرب.
دولياً، لا أحد يشكك في صبر وحلم وحكمة الدول التي قررت المقاطعة، مع ما لديها من إثباتات تتهم قطر بالمساس بأمنها القومي، والإضرار بمصالحها الداخلية وسلمها الاجتماعي، مما يجعل قطر تقف وحيدة على منصة الدفاع عن نفسها خاوية اليد.

[email protected]