حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

الدراما الرمضانية

الدراما التلفزيونية في شهر رمضان الكريم أصبحت واقعاً حقيقياً رغم وجود أطراف معارضة لذلك وطبعاً أطراف مؤيدة. هناك كم مهول من الإنتاج وبالتالي مع هذا الكم المهول لا بد أن يأتي معه كثير من الغث، إلا أنه ومع كل موسم هناك أعمال «جريئة» لا بد أن توجه لها التحية لقدرتها على صناعة عمل درامي مفيد وجيد ومثمر ومتقن.
فمسلسل «سيلفي» الذي أثار ضجة هائلة في أول مواسمه لا يزال يواصل تألقه ويتعرض لمواضيع بالغة الحساسية والتعقيد في المجتمع السعودي، وهو فيه الجرأة والحبكة والأداء المحترف ما يجعله «أدسم» و«أنضج» مما كان يقدم في حلقات «طاش ما طاش». وطبعاً من الممكن القول إن مسلسلاً مثل «عمر»، عن الخليفة الراشد الثاني سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان أيضا عملاً مهماً ولافتاً، وأثار جدلاً في غير محله؛ لأن الفائدة والقبول الذي لقيه تفوقا بكثير على الاعتراض بحقه، تماماً مثلما حصل مع الفيلم السينمائي البديع «الرسالة» للمخرج العبقري، الراحل بسبب رصاص الغدر والإرهاب، مصطفى العقاد، الذي حورب حرباً عظيمة، وثبت أن فيلمه صدقة جارية رائعة عرفت الدين الإسلامي للآخرين.
وهناك مسلسل «الجماعة» بجزأيه الأول والثاني، الذي يحكي تاريخ جماعة الإخوان المسلمين ونشاطها وتورطها في التكفير والإرهاب والعنف والفتنة، وهو تاريخ مرعب وخطير ويفسر كثيراً من المآسي التي يعيشها العالم العربي اليوم. فالمسلسل صور نمو وصعود الجماعة وأهدافها ووسائلها، وبالتالي طبعا يمكن إسقاط ذلك على كثير من المشاهد السياسية الحاصلة اليوم وسطنا وحولنا في أكثر من منطقة.
وطبعا هناك العمل الطموح بالإنتاج الضخم «غرابيب سود» الذي يظهر الأسلوب الذي تتبعه المنظمة الإرهابية «داعش» بشكل صادم ومزعج، ولكنها الحقيقة التي يجب أن يفتح الناس أعينهم عليها، وهي نتاج اعترافات وشهود من عشرات الشباب الذين انضموا وعادوا من «داعش» وشاهدوا الجحيم والعجب بأعينهم، وبالتالي تصبح لشهاداتهم قيمة ومعنى ومغزى مهم كانت صعبة التصديق وتصل لدرجة اللامعقول ولكنها الحقيقة.
الدراما لها وظيفة ومهمة ورسالة، وهي توعية المجتمع بمواضيع مهمة بشكل جذاب وصادم ومثير ولافت، حتى تصل الرسالة القوية إليهم ويتحقق الوعي المنشود مع عدم إغفال الجانب الترفيهي المقدم مع المادة المطروحة. مساحة الجرأة مطلوب أن تزيد فيما يخص مواضيع الشأن الاجتماعي، يتشوف الناس لرؤية ومشاهدة حلقات تقدم النفاق الاجتماعي والتمييز العنصري في مجتمعات تتغنى بالدين وتقدم عكسه في الحياة اليومية والتعامل بين الناس، حلقات تقدم حلولاً وأمثلة للممارسات الخاطئة ضد المرأة وضد أهل الوطن الواحد المختلفين مناطقياً ومذهبياً، وغير ذلك من أوجه الشر الاجتماعي.
وحتى الآن بقيت الدراما العربية «مرعوبة» من التصدي لإرهاب تنظيم «حزب الله»، ولم تجرؤ على تقديم أي عمل واحد يظهر حقيقة هذا التنظيم وزعيمه حسن نصر الله، وذلك بسبب التهديدات التي يرسلها هذا التنظيم الإرهابي للمجموعات الإعلامية يحذرها وينذرها من الإقدام على عمل كهذا، وبالتالي لا تجرؤ أي قناة على ذلك، ولكن الأمر يجب التطرق إليه وسرد تاريخ هذا التنظيم المجرم وعلاقته بالإرهاب وغسل الأموال والفتنة الطائفية واغتيال الشخصيات الكبرى وتجارة المخدرات وتهديد الناس، حتى يسقط قناع العفة الذي يروج به أنه صوت المقاومة وهو صوت الموت.
الدراما بحاجة لمزيد من الجرأة لأن المواد الموجودة في أرشيف الواقع الاجتماعي العربي ثرية ومنوعة ومهمة. الدراما الرمضانية فيها الغث الكثير ولكن بعض الأعمال لا يمكن أن يطلق عليها إلا أنها أعمال ملحمية ومهمة ومؤثرة جداً وبصماتها ملحوظة.