من شأن الهجوم الإرهابي الأخير في مدينة مانشستر البريطانية على أيدي أحد جنود تنظيم داعش أن يسرع من تحرك الولايات المتحدة وحلفائها للاستيلاء على معاقل التنظيم الإرهابي في الموصل بالعراق والرقة بسوريا. ومن شأن الهجوم أيضاً أن يحوّل تركيز المناقشات العاجلة نحو استراتيجيات ما بعد «داعش» لتحقيق الاستقرار في البلدين الشرق أوسطيين المنكوبين.
وعلى الرغم من الكلام الذي أثاره الرئيس دونالد ترمب حول إزالة «داعش» من الوجود، تأخرت حملة الهجوم على مدينة الرقة السورية لشهور، في الوقت الذي تجادل فيه صناع السياسات الأميركية حول الحكمة من الاعتماد على الميليشيات الكردية السورية المعروفة باسم وحدات الحماية الشعبية، والتي تصنفها الحكومة التركية منظمة إرهابية. وتستقر هذه القوات، إلى جانب المقاتلين المتحالفين معهم، على بعد 10 أميال من الرقة في انتظار قرار الهجوم.
وطيلة هذا الوقت، كانت الساعات تمر على المؤامرات الإرهابية التي يدبرها التنظيم الإرهابي، والموجهة من معقله الرئيسي في الرقة. ولقد أخبرني بعض المسؤولين الأميركيين قبل أسابيع قليلة بأنهم كانوا على علم بما لا يقل عن خمس عمليات إرهابية من تدبير تنظيم داعش وموجهة نحو أهداف في أوروبا. وكان الحلفاء الأوروبيون يستحثون الولايات المتحدة على إنهاء العمليات القتالية في الرقة بأسرع وقت ممكن.
ويشير التفجير الإرهابي المروع في مانشستر إلى صعوبة احتواء المؤامرات التي يدبرها التنظيم الإرهابي – والتكاليف الباهظة لتوجيه الضربات النهائية إلى قلب التنظيم. ويتعرض تنظيم داعش في الآونة الأخيرة للمزيد من التقهقر والتراجع، وباتت خلافته المزعومة قاب قوسين أو أدنى من الانهيار التام على أرض الواقع. ولكن هناك خلافة أخرى افتراضية بدأت في التكون عبر الشبكة التي أنجبت الإرهابي سلمان العبيدي، المنفذ الانتحاري لهجوم مانشستر، وغيره ممن يسعون إلى الانتقام من القضاء البطيء على التنظيم في العراق وسوريا.
لا بد من المضي قدماً وبأقصى سرعة ممكنة لشن الهجوم على مدينة الرقة، والآن بعد أن رفضت إدارة الرئيس ترمب الاحتجاجات التركية، وتخيرت مساندة وحدات الحماية الشعبية الكردية باعتبارها العمود الفقري للتحالف الموسع المعروف إعلامياً باسم «قوات سوريا الديمقراطية». وتلك القوات تتسم بالانضباط والالتزام الشديدين، ولها قيادة قادرة وفاعلة، على نحو ما رأيت خلال زيارتي إلى معسكر تدريب القوات الخاصة في شمال سوريا العام الماضي.
استمعت إدارة الرئيس ترمب بصبر إلى حجج الحكومة التركية بشأن وجود قوة بديلة تدعمها أنقرة. ولكن وزارة الدفاع الأميركية قد خلصت إلى أن القوة المقترحة من تركيا ليس لها وجود فاعل في ساحات القتال، وأن الخيار الحقيقي يدور حول إما الاعتماد على التحالف بالقيادة الكردية لتطهير الرقة، أو إرسال الآلاف من جنود الولايات المتحدة لتنفيذ المهمة على الأرض.
ولقد نزع البيت الأبيض صوب الخيار الأول منذ أسابيع عدة. وفي محاولة لتهدئة المخاوف التركية، تقدمت الولايات المتحدة بتأكيداتها على أن الوجود العسكري الكردي سيتم احتواؤه، وأن قوات العشائر المجندة حديثاً ستساعد في إدارة الأوضاع الأمنية في الرقة ومدينة دير الزور المتاخمة لها.
وتشارف المعارك الدائرة في الموصل العراقية على الانتهاء قريبا، أيضاً. ويقول القادة الميدانيون إنه لم يتبقَ سوى 6 في المائة من مساحة المدينة تحت سيطرة التنظيم الإرهابي، مع وجود ما يقرب من 500 إلى 700 من مقاتلي «داعش» محاصرون ومطاردون في المدينة القديمة إلى الغرب من نهر دجلة.
وبمجرد تطهير مدينتي الرقة والموصل من العناصر الإرهابية، سيكون التحدي الجديد هو إعادة بناء المناطق المدمرة في كل من سوريا والعراق – مع مؤسسات الحكم والأمن الحقيقية – حتى لا تتمكن الجماعات المتطرفة من معاودة الظهور والسيطرة من جديد. ولقد تداولت فكرة «يوم ما بعد (داعش)» بين مختلف صناع السياسات في الولايات المتحدة خلال السنوات الثلاث الماضية، غير أنها لم تصل إلى مستوى التخطيط الجيد أو التمويل المطلوب. ولا بد من أن تتحول تلك الفكرة إلى أولوية قصوى لدى الولايات المتحدة ولدى شركائها الرئيسيين من الدول مثل الأردن، ومصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.
ويقال إن هناك تنسيقا بين جهات عدة يهدف إلى تشكيل قيادة أساسية تتولى زمام المبادرة. ولكن حتى الآن، يقال إن تلك الجهود ولدت المزيد من المشاحنات الداخلية، بدلاً من أن تتمخض عنها استراتيجية واضحة المعالم – مما يعتبر تراجعاً مثيراً للإحباط للجهود التي فشلت في بناء معارضة متماسكة في سوريا.
ولقد أخبرني مدير الاستخبارات المركزية الأميركية مايك بومبيو، إلى جانب الكثير من الصحافيين الآخرين، في مقابلة أجريت معه الثلاثاء الماضي بأنه يخطط للانتقال بالوكالة إلى اتخاذ مواقف أكثر عدوانية ومخاطرة في الأيام المقبلة؛ مما اعتبره منطلقاً ذا بال في خضم الراهن من الأحداث.
وتعتبر القوات الكردية من أهم بطاقات اللعب في كل من العراق وسوريا، حيث تسيطر القوات الكردية السورية على الجيب العراقي المعروف باسم «روجافا». ومن شأن هذا أن يعد محفزاً مهماً للسوريين السنة لتشكيل حكومة قوية مماثلة في المناطق المحررة لديهم. وفي الأثناء ذاتها، قال الأكراد العراقيون للمسؤولين الأميركيين إنهم يعتزمون إجراء استفتاء شعبي حول استقلال الأكراد قريباً، وربما يكون ذلك في أوائل سبتمبر (أيلول) المقبل.
ويشعر المسؤولون الأميركيون بامتنان عميق تجاه الأكراد العراقيين الذين كانوا من الحلفاء الموثوق بهم للولايات المتحدة منذ أوائل تسعينات القرن الماضي. ولكن استفتاء الاستقلال الكردي المزمع سيشكل بؤرة من بؤر التوتر المحتملة في المنطقة، ومن المرجح أن يحاول المسؤولون الأميركيون إرجاء القضية الكردية برمتها إلى ما بعد انتخابات المحافظات العراقية المقرر انعقادها في سبتمبر المقبل.
من المهم إعادة تصوير العراق وسوريا بصفتهما من الدول الكونفيدرالية أكثر تماسكاً، وأفضل حكماً، وأكثر شمولية، تلك التي تمنح الأقليات مجالاً للعيش والتنفس بحرية. ومن شأن صناع السياسات في الولايات المتحدة محاولة استخدام مرحلة ما بعد تنظيم داعش طريقاً نحو التقدم، بدلاً من الاستمرار في الكوارث الطائفية التي جلبت المآسي والأزمات الشديدة على البلدين المتجاورين.
* خدمة «واشنطن بوست»