د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

قطر ونهاية أضغاث أحلام

منذ زمن ليس بالقصير وقطر، تلك الدولة الصغيرة على ضفاف الخليج العربي الكبير، تحاول أن تقفز على الجغرافيا وحتى التاريخ من خلال حلم السيطرة والنفوذ في الشرق الأوسط، متبنية حزمة من التحالفات والعلاقات المتناقضة مع إيران وحماس وحزب نصر الله وتنظيم الإخوان، بل وحتى إسرائيل، وعبر دور أسندته لها إدارة أوباما السابقة، إذ كانت هيلاري كلينتون سائرة في مشروع توطين تنظيمات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط.
الرؤية القطرية تبقى قاصرة عن استقراء النهج والسلوك الإيراني العابث في المنطقة حيث ترى أنه ليس من «الحكمة» عداء إيران، وإن كنت لا أعرف أين هي الحكمة في احتضان (والتحالف مع) دولة مثل إيران لها سلوك إرهابي وخطاب فارسي في ثوب «إسلامي» طائفي تنقل بين دعم ميليشيات الحوثي وحزب الله وميليشيات الحشد الشعبي وعصائب الحق وما إليها، رؤية وقراءة قطرية خاطئة للمشهد، تتجاهل العبث الطائفي الإيراني باستقرار المنطقة، هي الأخرى غير ملزمة لباقي دول المنطقة المتضررة من التدخل الإيراني السافر في شؤونها، مثل البحرين، التي عانت الأمرين من العبث الطائفي الإيراني، بالمعيار ذاته الذي ذهبت فيه السياسة القطرية الرافضة لتصنيف جماعة الإخوان جماعة إرهابية، في حين أن الجماعة الليبية المقاتلة وهي أكثر تشدداً من «القاعدة» و«الإخوان» والتي ما ينفكّ زعماؤها عن زيارة قطر والإقامة فيها.
الجموح القَطري خلال السنوات الماضية، للتوسع والسيطرة والنفوذ، ولو بمنازعة الكبار دورهم الطبيعي في المنطقة، كان أشبه بمحاولات يائسة لتحقيق أضغاث أحلام في وجود دول إقليمية كبرى في المنطقة مثل جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، وهما دولتان لهما تاريخ طويل ونضال في حماية المصالح العربية خاصة والإسلامية عامة، بحكم حجمهما الكبيرين وفاعلية دورهما من خلال ميراث نضالي طويل لا يُنازَع، فالأولى احتضنت القومية العربية وجامعة الدول العربية، والثانية احتضنت قبلة المسلمين والحرمين الشريفين ومنظمة التعاون الإسلامي، فالطموح القطري لا يناسب حجمه الطبيعي، ولا يتماشى مع السياسة العامة الخليجية مما جعلها تشتري العداء مع جيرانها.
الأميركيون وعبر إدارة ترمب، أدركوا أخيراً أنه لم يعد هناك أي إمكانية لدور قَطري، وبالتالي أصبحت نهاية الدور القطري وشيكة، خصوصاً في احتضانها لجماعات الإسلام السياسي، ومن بينها جماعة إخوان البنا وقطب. ووفق تقارير ومقالات غربية أثبتت تورط قطر في زعزعة الاستقرار بالمنطقة، وأصبح ذلك محرجاً لها، بل وحتى مهدداً لها في ظل محاولتها الاستمرار في تمديد علاقة الحماية عبر القاعدة الأميركية في قطر في ظل إدارة ترمب، التي تتزعم محاربة الإرهاب الذي تصدِّرُه جماعات الإسلام السياسي، ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين، وقد تكون قطر سعت إلى إعادة إنتاج تنظيم الإخوان عبر نسخ جديدة معدلة، من وثيقة «حماس} التي حاولت من خلالها حركة حماس الإخوانية، ومن خلال ترتيبات قطرية، إعادة ترتيب صفوفها، عن طريق استبدال قيادات بأخرى لا تبتعد عن سابقتها في ولائها للمرشد.
الدور القطري كان مجرد إهدار أموال طائلة للمال على مشاريع فاشلة.
كما أن التدخل القطري في ليبيا والدعم والمساندة اللامحدودين لتنظيم إخوان البنا وقطب في ليبيا واحتضان قياداتهم، تسبب في استمرار الصراع بين الإخوة في ليبيا وعرقلة بناء الدولة بعد سقوطها في عام 2011 بعد ضربات «الناتو»، وبذلك تحولت قطر إلى عراب لتنظيم الإخوان في المنطقة، رغم تورط الأخير في عمليات الإرهاب والتحالف مع تنظيمي «داعش» و«القاعدة} عبر شبكات سرية.
الدور القطري سينتهي باستفاقة من حلم لم يتحقق منه شيء سوى إهدار الوقت والمال، بل كان سبباً في معاناة الكثيرين.
قطر في نهاية المطاف ستكون مرغمة على الاستفاقة من الحلم، والعودة لحجمها التاريخي والجغرافي الطبيعي، وإلا فستكون في وضع صعب جداً أمام تحالفات إقليمية ودولية تغير سياسات، من بينها من يشكل الدرع الواقية لها.