وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

دور لليمين الفرنسي

قد يكون من المبالغة تحميل «الإسلاموفوبيا» كل مسؤولية التحوّل الجاري حالياً في صفوف اليمين الأوروبي من يمين آيديولوجي تقليدي إلى يمين «شوفيني» عنصري. ولكن الطروحات السياسية التي أخرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأوصلت دونالد ترمب إلى البيت الأبيض تضفي مصداقية ما على هذا الادعاء.
أوروبا اليوم تعيش مخاضاً آيديولوجياً وسياسياً يصعب إنكار تأثير «الداعشيين» والتكفيريين عليه بعد أن برزت، بوضوح، التيارات الانعزالية والعنصرية المرافقة لهذا المخاض.
على ضوء هذه الخلفية، يجوز الحديث عن «إنجازات» الناخب الفرنسي الذي اختار اليمين التقليدي على اليمين «الشوفيني»، بانتخابه إيمانويل ماكرون رئيساً للبلاد، وبتجنيبه فرنسا والقارة الأوروبية، تبعات وصول مرشحة اليمين المتطرّف، مارين لوبان، إلى قصر الإليزيه.
قد يكون وصول الرئيس ماكرون إلى قصر الإليزيه بداية «تعقّل» في مواجهة تيارات اليمين الأوروبية للمناخ «الإسلاموفوبي» السائد حالياً في كثير من الحركات اليمينية في القارة القديمة، وتصريحات الرئيس الفرنسي المنتخب، بتركيزها على الوحدة الوطنية للفرنسي لا النصر الحزبي الذي يعكس عودة أجواء الرزانة إلى رد الفعل الأوروبي على «الإسلاموفوبيا».
ولكن ذلك لا يعني أن عودة اليمين الأوروبي إلى قواعده السياسية السابقة باتت قريبة، فعلى مدى العقدين المنصرمين، كانت فرنسا «مكسر عصا» منتقدي السياسات العنصرية، وفي الوقت نفسه ساحة اعتداءات تكفيرية لا تخلو من خلفية تكفيرية في مجتمع تعدّدي مرهف الحساسيات العنصرية والمذهبية.
إعادة الاتزان إلى اليمين الفرنسي وتطهيره من شوائبه «الشوفينية» ليس بالمهمة السهلة، خصوصا أن الرئيس ماكرون يدخل إلى قصر الإليزيه وحيدا، فهو ينتخب للمرّة الأولى لتحمّل مسؤوليات مهمّة رسمية، بمستوى الرئاسة الفرنسية، دون أن يكون مستندا إلى دعم أي من المؤسسات الحزبية التقليدية في فرنسا. صحيح أنه سجّل نصر الانتخابات مبنياً على منافسته العنصرية، مارين لوبان، ولكن إذا احتسبت أصوات الممتنعين عن التصويت إلى جانب أصوات مؤيّدي لوبان، يتضح أن خمس الناخبين الفرنسيين فقط تبنّوا مفهوم ماكرون لليمين الوسطي.
تحدّيات السيدة لوبان لليمين التقليدي، لم تبدأ مع الانتخابات الرئاسية الفرنسية ولن تنتهي معها، مما يجعل إعادة الاتزان إلى اليمين التقليدي في فرنسا مهمّة طويلة الأمد، خصوصا في أجواء تشرذم اليسار الفرنسي وتراجع شعبيته. والأصعب من ذلك، أن إعادة المصداقية إلى اليمين الوسطي في فرنسا، باتت مرهونة اليوم، بمدى نجاح الرئيس ماكرون في تحقيق إصلاحات اقتصادية، تعزّز فرص العمل في فرنسا، وتحدّ من معدّلات البطالة، وتظهره كلهم لتيار يميني معتدل، أعاد للفرنسيين ثقتهم باقتصاد بلادهم ودورها المحوري على صعيد الاتحاد الأوروبي.
وغير خاف أن هذا النجاح من شأنه تشجيع الناخب الألماني على سلوك المنحى نفسه في انتخاباته المقبلة، الأمر الذي يعيد للثنائي الفرنسي - الألماني دوره الريادي على الصعيد الأوروبي. ويحول، قدر الإمكان، دون تفرّد الولايات المتحدة بقراراتها الشرق أوسطية.
من المبكر بعدُ تحديد التوجهات السياسية الخارجية لعهد الرئيس ماكرون، ولكن كثيرا من السياسيين الذين اختار التعاون معهم في مطلع عهده، معروفون بخلفيتهم «الديغولية» ويمينيهم الليبرالية، الأمر الذي يسمح بتوقع عودة السياسة الخارجية الفرنسية حيال الشرق العربي إلى خطأ «الديغولي»، خصوصا إذا اقترنت بزوال التهديد «الداعشي» للأمنين العربي والأوروبي.