خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

كيف اكتشفنا شواء اللحم ؟

تشارلز لامب من الكتاب الإنجليز البارعين الراحلين. كان يعاني من الزكام. ولكن هذه بلوى محدودة كما يعرف المزكومون في هذه الأيام. ولكنه عانى أيضا من مشكلة الفأفأة وثقل اللسان. ولكنه درب نفسه على تفادي ذلك بالهزل والسخرية. سألته إحدى النساء في حفلة عشاء فقالت: مستر لامب، كيف تحب الأطفال الصغار؟ فأجابها مازحا: «ا.ا.أ... أحبهم مشويين!».
ولكنه عاد لموضوع الشواء في مناسبة أخرى عندما أطلق العنان لخياله كما في مقالته: «أطروحة في شواء الخروف» التي قال فيها:
تقول إحدى المخطوطات الصينية التي ترجمها لي أحد أصدقائي إن البشر ظلوا يأكلون اللحم النيئ طيلة السبعين ألف سنة من عصور الإنسان الأولى. كانوا يأكلونه بأظافرهم أو يمزقونه بأسنانهم مباشرة من الذبيحة. وقد لوح كونفوشيوس بتلك الفترة بكونها الفترة الذهبية التي سماها فترة «كو - فانغ»، أي عطلة الطباخين. يقول كونفوشيوس إن البشر اكتشفوا فن الشواء بالصدفة عندما ذهب هورتي إلى السوق وترك ابنه بوهو مسؤولا عن البيت والحيوانات.
راح بوهو كبقية الأولاد يلهو بالنار، فخرجت منها شرارات أدت لاحتراق البيت كله، وكان فيه تسعة خراف، وعندما تحول كل شيء إلى رماد، شعر بوجود رائحة زكية تغزو أنفه لم يسبق له أن شم مثلها من قبل. راح يستنشق هذه الرائحة حتى اهتدى إلى مصدرها في الخراف. فتعجب من أمرها وما عسى أن يكون قد حل بالخراف. مد يده إلى خروف سمين ليتأكد من موته أو حياته. فاحترقت أصابعه بالسمنة الحارة. وكأي طفل تحترق يده بشيء ما، عاجل بوضع أصابعه في فمه، فهاله ما ذاقه منها من طعم لذيذ.
ازدادت حيرته من هذه الظاهرة. وللتأكد منها جيدا، مد يده ثانية إلى الخروف، وكان قد برد قليلا عندئذ، بحيث استطاع بوهو أن يقتطع شيئا من لحمه، سارع إلى وضعه بين أسنانه. يا ما ألذ هذا الطعم! نزل أكلا بالخروف المشوي كالمجنون.
عاد الأب ليجد أن بيته قد تحول إلى رماد، وابنه منهمك في أكل خروف محروق. أنهال ضربا عليه، ولكن الصبي أشار له أن يذوق اللحم المشوي، ففعل. يا ما ألذ هذا الطعم!
مضت أيام وأهل القرية يرون الدخان يتصاعد من بيت هورتي كل يوم. ما هذا! حريق كل يوم؟! وكما يفعل الناس في كل مكان عندما يرون شيئا غريبا، راحوا يتجسسون عليه، فاكتشفوا هذا الأمر. جاءوا بالشرطة فاعتقلوه بتهمة القيام بشيء ضد الدين. أحيل إلى المحكمة، فسألت المتهم عن دفاعه، فجاء بخروف مشوي وعرض على المحلفين أن يغرسوا أصابعهم فيه، ففعلوا وانكووا بحرارته، وفعلوا ما فعله الصبي... وضعوا أصابعهم في أفواههم ليبردوها، ويا له من طعم لذيذ! أعادوا التجربة فمضغوا شيئا من اللحم. ويا ما ألذه من طعم!
تداولوا بالقضية وأصدروا القرار التاريخي. لا جريمة في الشواء، وغير مجرم كل من يشوي الكباب والشاورمة والكفتة والمحشي وأي لحم حلال!