طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

الإبداع مقسوم على اثنين!

أتيح لي أن أستمع قبل أيام إلى «بروفات» تعود لأكثر من ربع قرن مع الملحن الشاب زياد الطويل، كانت التسجيلات تحاول أن تجيب عن سؤال، كيف تمت صياغة ألحان مسلسل «هو وهي»؟، التي جمعت بين والده الموسيقار كمال الطويل وعمار الشريعي، وغنتها سعاد حسني بشعر صلاح جاهين، وأشهرها «الشوكولاته» و«خالي البيه».
ووجدت فيها خيطاً لو أمسكنا به وحللناه لاقتربنا من الحقيقة، وهو كيف يتم الإبداع المشترك؟ اكتشفت أن الخط النغمي في تلحين الكلمات لكمال الطويل، بينما «اللزم» الموسيقية والمقدمة والتوزيع والتنفيذ لعمار الشريعي، في حياة الطويل وعمار، لم يكن أحد يذكر أبداً إجابة قاطعة، وكل منهما كان يمنح الآخر فضل نجاح الألحان، بينما سعاد في كل أحاديثها كانت لا تذكر سوى أن الأغاني تلحين الطويل فقط، وحدثت بعدها جفوة وخصومة بين سعاد وعمار، في البداية حاول عمار أكثر من مرة تنبيهها لتذكر اسمه دون جدوى، فقرر الانتقام بإسناد الأغنيتين للمطربة الشعبية فاطمة عيد، دون علم الطويل، ومع الزمن لم يعد الناس يتذكرون سوى صوت سعاد حسني، ولم يكرر الطويل الاشتراك في التلحين مع أحد ولا عمار أيضاً فعلها.
«جينات» الإبداع كيف تتجزأ؟ اللغز صعب، أشهر ثنائي عرفناه هما الأخوان «رحباني» عاصي ومنصور، صحيح سبقهما تاريخياً ومن لبنان أيضاً الأخوان «فليفل» محمد وأحمد، واضعا النشيد الوطني لسوريا، ولكن ظل الرحبانية مع ترافق صوت فيروز، هما أهم وأشهر مثال في التاريخ الموسيقي العربي على ثنائية الإبداع، غالباً ما كان يثار في حياتهما السؤال، عمن قدم القسط الأكبر، لم يكن أحد يعرف على وجه الدقة، ولم يشأ أحد، حيث كانت إجابة عاصي ومنصور واحدة، لا ندري كيف حدثت الدفقة الإبداعية، من أمسك بتلك الومضة الموسيقية أو التقط تلك اللمحة الشاعرية، وإن كانت فيروز بعد رحيل زوجها عاصي عام 86، كانت قاصرة في الغناء على موسيقى وكلمات ابنها زياد، وتناثرت أقاويل هنا وهناك، تؤكد أن نصيب عاصي أكبر، كان البعض يردد أن منصور حاسة الشاعر لديه أكثر عمقاً، بينما عاصي هو الموسيقي، إلا أن التجربة العلمية أثبتت بعد رحيل عاصي، أن منصور ظل وعلى مدى 23 عاماً مبدعاً بمفرده للموسيقى.
كان الموسيقار محمد عبد الوهاب قد التقى كثيراً مع الأخوين وفيروز، ولحن ثلاث أغنيات «مُر بي» و«سكن الليل» و«سهار»، وتولى التوزيع الموسيقي الأخوان، كما كان من المنتظر أن يجمعهما لقاء رابع في «ضي القناديل» من تأليف وتوزيع الأخوين وتلحين عبد الوهاب، ولكن فيروز لم تتحمس، فكانت من نصيب عبد الحليم حافظ، هذا الاقتراب لعبد الوهاب أتاح له الفرصة ليدلي بدلوه للدائرة القريبة، حيث كان عبد الوهاب يرى أيضاً أن عاصي به ومضة إبداعية أكبر في الموسيقى، بينما الشعر خاصة الفصيح لمنصور، بالطبع لو أذيعت البروفات لأدركنا بالضبط كيف تمت تلك الثنائية.
وثيقة الطويل والشريعي قدمت لنا بداية الإجابة، والحقيقة أن الإذاعة المصرية عندما تقدم أغنيات «هو وهي»، يذكر مذيع الهواء أنها من تلحين كمال الطويل بالاشتراك مع عمار الشريعي، ورحل الطويل عن عالمنا في 2003 والشريعي عاش بعده بنحو عشرة أعوام، ولم يحدث أن اعترض عمار على أن يأتي اسمه تالياً ومشاركاً بينما اللحن للطويل!!