حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

تفجير الكنائس: انتحار الإرهابي حياة للإرهاب

لا يساورني شك في أن المنفذين الدواعش يريدون من التفجيرين الانتحاريين في الإسكندرية وطنطا أن تقدح شرارة طائفية، تندلع بعدها نار طائفية تأكل أخضر مصر ويابسها لحاجة في نفس «داعش» قضاها، ومن يستقرئ حال الحركات الإرهابية، كـ«القاعدة» في أفغانستان، وحركة الشباب في الصومال، و«داعش» في العراق وسوريا، والحوادث الإرهابية في الدول الغربية، يلاحظ أنها اهتزت وربت، وأنبتت نفوذاً وانتشاراً واستقطاباً للشباب، في أجواء الفوضى والاحتراب الداخلي، والعكس صحيح، فالاستقرار يخنقها، والتفاهم يكتمها، والتناغم الوطني يقتلها.
مساحة «داعش»، ومن دار في فلكه من الفصائل الإرهابية، تُنتقص من أطرافها، وتتعرض للقضم من خصومه المحليين والإقليميين والدوليين، فدولته المزعومة الهشة تتآكل وتحتضر، وليس أجدى، في نظره، من إيقاظ عناصره النائمة في الدول المحورية، كمصر والسعودية ودول عربية أخرى، يريد بأي ثمن أن يخلق الفوضى ليستنشق الحياة، وينشر الفوضى ليضمن له الاستمرار، وليس ثمة أسهل من ارتداء حزام ناسف، ثم التوجه لكنيسة أو حسينية لتفجيرها، وحين تنعدم الوسائل التقليدية في تنفيذ خطط الإرهاب، تبتكر العقول وسائل جديدة، كالشاحنات، لإحداث أكبر مجزرة، كما حدث في فرنسا ولندن أخيراً، وسيفاجئوننا بتكتيكات وأساليب شيطانية جديدة.
حوادث التفجير الإرهابية المؤسفة للكنائس المصرية يجب أن تُستثمر في شن حملة «مرشدة»، من العلماء وطلبة العلم والمهتمين بالشأن الإسلامي، لتنقيح «الخطاب الديني» مما علق به من تشوهات تسربلت بلبوس الدين، فالنظرة إلى أتباع الملل والنحل الأخرى ما برحت تغذيها أدبيات مشوهة، ولغة تبعث كراهية «الغير»، وربما الإساءة إليهم فقط بسبب الانتماء الديني والمذهبي، وهو ما تضافرت النصوص الشرعية على بطلانه والتحذير منه، مثلاً الدعاء على عموم التابعين لملة مغايرة أو نحلة مخالفة (بتجفيف الأنهار، وتيتيم الأطفال، وترميل النساء، وانتشار الأوباء، وأن يحصيهم عدداً، ويقتلهم بدداً، ولا يغادر منهم أحداً) مما يخالف «رحمة للعالمين» التي ترتكز عليها رسالة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا أقصد أن مثل هذا الدعاء يؤدي إلى التحول مباشرة لإرهابي يفجر أماكن العبادة للديانات والمذاهب المختلفة، ويفتك بالمنتمين لها، ولكنه يهيئ بيئة خصبة تجعل المتأثر بها لا يرى في الإساءة لأتباع هذه الديانات جريمة كبرى تستحق التنديد بلغة صريحة لا تحتمل حروف الاستدراك «لكن» وأخواتها، وقد حدث في بلد عربي أن وجه جندي في المطافئ سؤالاً صادماً مؤسفاً له دلالاته وأبعاده الخطيرة إلى عالم، يقول سؤاله: هل يجوز أن أتلكأ وأتباطأ في التحرك لإطفاء حريق اندلع في بيت ينتمي أهله لمذهب يخالف مذهبنا؟
أما الوجه الآخر المؤلم لحادثتي تفجير الكنيستين المصريتين الإرهابي، فهو توظيف مثل هذه الحوادث في المناكفات السياسية والآيديولوجية وتصفية الحسابات، فلا يكفي أن تعلن منظمة إرهابية عن تبني مسؤولية مثل هذه الحوادث الإرهابية، بل لا بد من تحميل أطراف أخرى المسؤولية، حتى قبل أن تنتهي فرق التحقيق من إعلان النتائج، وليت الأمر توقف عند وضع هذا التراشق بالاتهامات تحت بند المناكفات الفكرية والسياسية، ولكن الخطورة أنه يرسل الإشارة الخطأ لصناع القرار، فيضعون مبضع العملية الجراحية في الموضع الخطأ، وستتوالى حوادث الإرهاب من «داعش» وغيرها ما لم تتم المعالجة الصادقة المخلصة من جذورها السياسية والدينية والفكرية والأمنية، بعيداً عن تصفية الحسابات الفئوية.