دنيس روس
TT

دولتان أم دولة واحدة؟

«بالنظر إلى الدولتين أو الدولة الواحدة، فإنني أفضّل ما تفضّله الأطراف كافة. وإنني سعيد للغاية بما تفضله الأطراف كافة. ويمكنني التعايش مع أيهما». كان هذا رد الرئيس دونالد ترمب على سؤال أحد الصحافيين في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الشهر الماضي في البيت الأبيض. وفي حين أن الكثيرين قد فسروا هذه الإجابة بوصفها نوعاً من أنواع الابتعاد عن الموقف المؤيد لحل الدولتين للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو الموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش في خريف عام 2001، إلا أن الرئيس ترمب كان يقول إنه قد يوافق على ما ستتفق عليه الأطراف المعنية.
فهل سيوافقون على حل الدولة الواحدة؟ والإجابة الموجزة هي: كلا. ومن المؤكد، أن هناك إسرائيليين وفلسطينيين يؤيدون حل الدولة الواحدة، ولكنهم يعنون أشياء مختلفة تماماً من وراء ذلك. فالسواد الأعظم من اليمين الإسرائيلي ممن يؤيدون هذا الحل يعتقدون أن إسرائيل ستظل دولة الشعب اليهودي، مع الفلسطينيين المستوعَبين داخلها بطريقة قبول الأقليات العربية في داخل إسرائيل، مع منحهم الحقوق الفردية، وليس الحقوق الجماعية. وهناك طائفة من اليمين الإسرائيلي، مثل عضو الكنيست الإسرائيلي ميكي زوهار، يرون دوراً تلعبه السلطة الفلسطينية، لكنه أكثر بقليل من «مجلس إقليمي محلي ذي اختصاصات محدودة، مع وضوح تام لمسألة الحدود، حيث يمكنهم العمل على الشراكة معنا». وخطته تقوم، وفقاً لكلماته المسجلة: «على تحديد واضح لمسألة الحدود بالنسبة للسلطة الفلسطينية، ولن تمنحهم إسرائيل الجنسية أو حقوق التصويت الانتخابي». وفي واقع الأمر، فإن الحكم الذاتي المحلي سيكون هو الحل بالنسبة للفلسطينيين مع بقاء إسرائيل من دون تغيير يُذكر.
قد ينأى نفتالي بينيت، من حزب البيت اليهودي في الائتلاف الحاكم، بنفسه عن استخدام كلمات النائب زوهار نفسها، لكنه يعارض وجود الدولة الفلسطينية، ويتحدث عن الحكم الذاتي المحدود للفلسطينيين، والمنهج العملي هو، عند هذه المرحلة على أدنى تقدير، يشابه مفهوم الدولة الواحدة الذي طرحه النائب زوهار. لكن هذا محض سراب، فإن الفلسطينيين لن يقبلوا بمثل هذه النتيجة. وبالنسبة لأولئك في إسرائيل الذين يرون مساراً إقليمياً يضم العرب في صناعة السلام، فإن الزعماء العرب لن يوافقوا على نتيجة توفر للشعب الفلسطيني حلاً أقل من دولة واحدة تضمهم.
وبالنسبة إلى الفلسطينيين الذين يتحدثون عن دولة واحدة، فإن مفهومهم لا يتفق مع وجود دولة إسرائيل. وبكل تأكيد، فإن لديهم تصوراً مختلفاً عن الدولة في مخيلتهم. وفي حقيقة الأمر، ما يجري في تصورهم هو قيام دولة فلسطينية. ولننظر إلى كلمات عمر البرغوثي، أحد مؤسسي حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات: «لا يمكنك التوفيق بين حق العودة للاجئين وبين حل الدولتين. هناك فيل أبيض ضخم في المنزل والناس يتجاهلونه، فإن عودة اللاجئين إلى فلسطين معناه نهاية وجود إسرائيل بصفتها دولة يهودية». بالنسبة للبرغوثي، فإنه إذا عاد اللاجئون الفلسطينيون كافة، فسيكون الشعب الفلسطيني هو الأغلبية، وسيهيمنون على الدولة. وتظهر الكثير من استطلاعات الرأي الآن أن الفلسطينيين الأصغر سناً يفضلون حل الدولة الواحدة القائمة على أساس فرد واحد وصوت واحد. وعلى الرغم من حقيقة أن عدد اليهود سيفوق عدد العرب لبعض من الوقت المقبل في أي إطار لتشكيل دولة واحدة، فإن أحمد الطيبي، وهو من عرب إسرائيل وعضو في الكنيست، قال في مقابلة شخصية أجريت معه مؤخراً إنه في حين لا يزال يفضل حل الدولتين، فسيكون رئيس الوزراء في حل الدولة الواحدة. ورداً على أسئلة حول العَلَم الإسرائيلي في حل الدولة الواحدة، قال الطيبي: «لا بد أن يتغير ذلك»، وبالنسبة للنشيد الوطني الإسرائيلي، قال أيضاً: «لا بد أن يتغير ذلك». وقانون العودة الذي يسمح لليهود كافة بالإقامة في إسرائيل، قال النائب أحمد الطيبي أيضاً: «سيتعين إلغاء ذلك على نحو تلقائي». ومن الواضح، أن يهود إسرائيل لن يقبلوا بمثل هذه النتيجة. وتكمن المشكلة في أن شعار «دولة واحدة لشعبين اثنين» هو شعار غير واقعي بالمرة. فهناك شعبان بالفعل. وهما يعكسان حقيقة وجود حركتين وطنيتين، حركة وطنية يهودية وحركة وطنية فلسطينية. وهناك هويتان وطنيتان منفصلتان. وفي منطقة الشرق الأوسط، وفي أغلب الدول التي يوجد فيها أكثر من هوية واحدة، فإن هناك صراعاً، وفيما بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإننا لا نتحدث فقط عن الخلافات الدينية والإثنية، بل عن الخلافات الوطنية كذلك.
ولأننا نتعامل مع صراع تاريخي تتنافس فيه حركتان وطنيتان على المساحة نفسها، فإن الجواب الوحيد القابل للتطبيق الواقعي هو حل الدولتين لشعبين اثنين. وهذان شعبان متمايزان، ولكل منهما طموحاته الوطنية الواضحة. والتعايش المشترك ممكن، لكن بصفتهما دولتين يقيمان بجانب بعضهما بعضاً.
وفي حالة إسرائيل، فإن الدولة موجودة. وهي دولة حقيقية، مع متوسط دخل الفرد الذي يبلغ أكثر من 35 ألف دولار في العام، وهناك قطاع التكنولوجيا الفائقة النابض بالحياة، والذي مكّن إسرائيل بأن توصف بأنها «دولة ناشئة». والتكنولوجيات الإسرائيلية هي الأكثر تطوراً في مجال الإلكترونيات، والمياه، والمحاصيل المقاومة للجفاف، والأدوية، والعلوم، والطاقة، والجيش. ولدى إسرائيل أحد أقوى الجيوش في منطقة الشرق الأوسط، كما تتمتع بالإرادة للقتال من الدفاع عن وجودها.
وبالنسبة للفلسطينيين فإنهم لن يقبلوا الذوبان في أي دولة إسرائيلية، كما أنهم لن يحلوا محل دولة إسرائيل، أو يتم استخدامهم سلاحاً ديموغرافياً لتدمير إسرائيل من الداخل. واليوم، فإن ضعف الفلسطينيين وانقسامهم يجعل من الصعب عليهم الموافقة على أي شيء. ودعوى بأن ما يسمى باستراتيجية «الخارج والداخل» هي فكرة أن الدول العربية يمكنها أن تلعب دوراً في دبلوماسيات السلام، والتعامل مع إسرائيل ليس بديلاً عن الجانب الفلسطيني، لكن من خلال توفير نوع من التغطية للفلسطينيين والإسرائيليين.
تصور أن الفلسطينيين اليوم يعتبرون الحديث إلى الإسرائيليين من قبيل التنازلات، من تلقاء أنفسهم، وأنهم لا يمكنهم تقديم أي حلول وسط أو تنازلات مع إسرائيل. وهم في حاجة إلى الدول العربية. ولكن التغطية العربية مهمة كذلك بالنسبة للجانب الإسرائيلي. فهناك قناعة إسرائيلية بأن أي تنازلات إلى الجانب الفلسطيني لن تسفر عن أي شيء من جانب الفلسطينيين؛ لذلك فهم الآن يتطلعون إلى التعويض أو المعاملة بالمثل من جانب الدول العربية، التي قد تصل فعلياً إلى مستوى الانفتاح على إسرائيل، وربما، تكامل الجانب الإسرائيلي في المنطقة التي تعتبر التهديدات المشتركة فيها ناشئة من قبل إيران والميليشيات الشيعية الموالية لها إلى جانب المتطرفين الإسلامويين من السنة.
وفي حين أن المنطق قد يكون قوياً، إلا أن صناعة السلام تستلزم وجود الأساس الراسخ. ولقد فقدنا هذا الأساس، ولا بد من إعادة إنشائه. وفي حين أن فقدان الثقة العميق الذي يشعر به الإسرائيليون والفلسطينيون إزاء بعضهم بعضأً، وأن الدول العربية لم تكن ضالعة على النحو الكافي في دبلوماسيات السلام ومفاوضات الماضي، فلا بد من تهيئة المجال وبمنتهى العناية. وليست هناك من حاجة إلى الضجيج والجلبة والمبادرات الكبيرة الرنانة. لكن المناقشات والمحاورات التي تتم على نحو متعمق ومدروس، ويهدف إلى جعل جميع الأطراف تبدأ في إثبات الثقة لبعضها بعضاً هي نقطة الانطلاق الأساسية. وفي حقيقة الأمر، فإن الدبلوماسية الهادئة على المدى القريب ينبغي أن تهدف إلى إيجاد مواطئ الأرضية المشتركة، واتخاذ خطوات موازية من شأنها استعادة الحس المشترك والإمكانية وتعكس مدى جدية الأطراف كافة والتزامهم، وصياغة مسار واضح لمتابعة حل الدولتين لشعبين اثنين.
في المقالات المقبلة، سيكون لديّ المزيد مما أقوله حول الخطوات التي قد يكون من المفيد لمختلف الأطراف اتخاذها على هذا المسار.