سلمان الدوسري
كاتب وصحافي سعودي. ترأس سابقاً تحرير صحيفة «الاقتصادية»، ومجلة «المجلة»، وهو رئيس التحرير السابق لصحيفة «الشرق الأوسط». عضو مجالس إدارات عدد من المؤسسات والشركات والهيئات الإعلامية.
TT

من ينصف المسلمين من المتطرفين؟!

ما أصعب حال مليار ونصف المليار مسلم، ربع سكان العالم، حملوا ما لا يحتملون، على حساب مجموعة متطرفة لا تزيد نسبتها على واحد من الألف منهم. غالطوا العالم وادعوا أنهم مسلمون. فجروا ونهبوا وارتكبوا الكبائر التي ينهى عنها الدين الإسلامي. عاثوا في الأرض فساداً وقتلوا من المسلمين أضعاف ما قتلوا من غيرهم. وعندما سعى أهل الإسلام إلى تصحيح هذه المفاهيم المغلوطة، وجدوا آذاناً لا تصغي وعيوناً لا ترى. تبرأوا من المتطرفين ولم ينفع. أصدروا فتاوى تثبت أنهم لا يمثلون الدين ولا من يسمع، ويوما تلو الآخر تتعمق الأزمة وتشتد، وكلما زاد المتطرفون من تطرفهم، زاد سوء الفهم وكيف يرى العالم هؤلاء، وهم لا يعلمون أنها أكبر هدية تقدم للمتطرفين والجماعات الإرهابية، التي تشكل تهديداً شرساً ومستمراً للشعوب أينما كانت.
حسناً فعل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى وهو يخاطب النخب الأوروبية في البرلمان الأوروبي في بروكسل هذا الأسبوع، فلن يجد أفضل من هذا المكان لشرح تفاصيل يراها المسلمون بديهية، بينما تغيب عن تلك النخب من سياسيين ومفكرين مؤثرين وفعاليات كبرى برلمانية وسياسية، فأول كاسب لظاهرة الإسلاموفوبيا هي العناصر الإرهابية التي تسعى لمضاعفة أعدادها من خلال إثارة وتعبئة المشاعر الدينية المتسرعة لدى الشباب المسلم، خصوصاً في البلدان غير الإسلامية، بل إن محاربة التطرف بتطرف مثله ستكون انعكاساً سلبياً ليس على الدول الإسلامية فحسب، وإنما على نفس هذه الدول عندما يصدر رد فعل متطرف متمثل في حالة الإسلاموفوبيا، حيث إنها «ستولد المزيد من المعاناة كما أنها ستزيد من أعداد المتطرفين الذين كانوا بالأمس أسوياء معتدلين يتعايشون مع مجتمعاتهم في البلاد غير الإسلامية باندماج إيجابي، محترمين دساتير وقوانين وثقافة الدول التي يحملون جنسيتها أو يقيمون فيها»، كما حذر العيسى في كلمته النخب الأوروبية.
يقول إدوارد سعيد في كتابه «الاستشراق»: ليس من المبالغة القول إنه يُنظر إلى العرب المسلمين على أنهم إما موردو نفط، أو إرهابيون محتملون، وظاهرة الإسلاموفوبيا ستكون نتائجها وخيمة على الحرب الشرسة ضد الإرهاب، وقد تكون لها مضاعفات سلبية إذا ما استمرت حالة العداء للإسلام في الوقت الذي تحارب الغالبية العظمى من المسلمين هؤلاء المتطرفين، وإذا كانت المسؤولية كبرى على المسلمين أنفسهم لتوضيح حقيقة مواقفهم من نبذ التطرف والمتطرفين، فإن هناك مسؤولية كبرى أيضاً على الغرب في عدم تغذية خطاب «صراع الحضارات» الذي يعتمده تنظيم داعش نفسه من خلال تجنيده للشباب في دول الغرب. مثلاً في يونيو (حزيران) الماضي عندما رحل الملاكم الأميركي الشهير محمد علي كلاي، تصدرت أخبار وفاته عناوين الأخبار الرئيسية التي احتفت به كسفير للإسلام المعتدل والمتسامح وهذا هو الخبر الجيد، أما الخبر السيئ فإن هذه الصورة، ويا للأسف، سرعان ما تلاشت، لتأتي محلها صورة أخرى مناقضة لها، بعد أن قام عمر متين بارتكاب مجزرة أورلاندو في ولاية فلوريدا الأميركية، لكن هذه المرة هيمن لفترة طويلة على عناوين الصحافة العالمية. مثل هذا النموذج بالتأكيد سيرسخ لدى المتلقي الأميركي بأنه ليس كلاي من يمثل حقيقة الإسلام بل ذلك الإرهابي متين.
الحرب على التطرف والإرهاب مستمرة حتى يتم القضاء على آيديولوجيته الإجرامية، فالاعتدال الديني ينسف آيديولوجيات الفكر الإرهابي الذي يتصادم مع سماحة الإسلام ووسطيته، وفي نفس الوقت تحميل المسلمين جميعهم جريرة فعل لا ناقة لهم فيه ولا جمل، وعواقبه خطيرة ووخيمة ليس عليهم فحسب بل على العالم أجمع.