خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

هات قلمك واكتب

الغرافيك كلمة مشتقة من كرافيكوس التي تعني باللغة الإغريقية «الكتابة» وتستعمل في هذه الأيام لكافة الفنون والآداب المشتقة من الكتابة، ولهذا شاع استعمالها عندنا بكلمة «حروفية»، الفنون القائمة على الحروف، الفن الذي أبدع فيه الخطاط محمد سعيد الصغار.
هناك شتى النماذج من الأدب الشعبي الغرافيتي، وكثيراً ما تنطوي على أقوال وحكميات في غاية الطرافة والبلاغة، كما نستدل من قطعة الغرافيتي التي تركها أحد الرجال، وربما إحدى النساء منقوشة على لوحة معلقة في إحدى ردهات الولادة. وكانت اللوحة تقول: «أول ثلاث دقائق من حياة الإنسان قد تكون أخطر دقائق في حياته». وعلق أحد الظرفاء الحكماء فكتب تحتها «ولكن ليس أخطر من آخر ثلاث دقائق».
ومن الملاسنات السياسية الغرافيتية ما فعله أحد المواطنين السوفيات بالشعار الرسمي الذي روجته السلطات أثناء الحرب العالمية الثانية بهذا النص «إذا لم يستسلم العدو فاقض عليه». وفي ربيع 1968 تدفقت الدبابات السوفياتية في مدينة براغ بتشيكوسلوفاكيا وسقطت الحكومة المعتدلة بعد صدام مع سكان المدينة. انبرى ذلك المواطن السوفياتي فشطب الشعار القديم وكتب فوقه «إذا لم يستسلم الصديق فاقض عليه»!
وانتبه أحد الإنجليز إلى شعارات حزب العمال التي تقول: «حزب العمال هو الجواب». فكتب تحتها «إذا كان حزب العمال هو الجواب، فماذا كان السؤال؟».
وفي آيرلندا الشمالية التفت أحد الآيرلنديين الكاثوليك إلى الإعلانات التي وزعتها الشرطة وكانت تقول: «ساعدوا شرطتكم المحلية». وعلق ذلك المواطن عليها فكتب بجانبها: «اضربوا أنفسكم بأنفسكم».
لقد أصبح الغرافيتي فناً وأدباً يتبارى فيه المبدعون ويجدّ الباحثون والصحافيون في جمعه وتصويره ونشره. وأصبح البعض يفتقدها عندما يجدون أمامهم حائطاً نظيفاً منها، وهو ما عبر عنه أحد المواطنين الإنجليز عندما لاحظ مثل هذا الحائط فكتب عليه: «لم لا يوجد غرافيتي على هذا الحائط»؟ وجاءه الجواب بعد أيام مكتوباً تحته: «لأننا قي إضراب»!
بيد أن صاحب إحدى العمارات تضايق من ذلك وآثر الاحتفاظ ببنايته نظيفة، وهو المتوقع والمفترض، فعلق لوحة على الحائط تقول: «يرجى عدم الكتابة باليد على هذا الحائط». وبعد سويعات قليلة وجد مكتوباً تحتها: «تعني أن علينا أن نستعمل الآلة الكاتبة»!
دخل أحد الصحافيين أحد المقاهي، وبعد دقائق من جولته جلس وكتب على قائمة المشروبات: «الغرافيتي في هذا المقهى مقرف». وفي اليوم التالي وجد مكتوباً على القائمة: «وكذلك مشروباته».
من ذكرياتي عن الغرافيتي في عالمنا العربي أنه يقوم في الأكثر على الشتم والبذاءة، مما يجعل مهمة الصحافي صعبة وخطرة مع الأسف. بيد أنني أذكر أن الظريف المصري إمام العبد وجد حائطاً نظيفاً فكتب عليه عن نفسه قائلا: «كأنني حائط كتبوا عليه: هنا يا أيها المزنوق ....»!