إيلي ليك
TT

ترمب وروسيا بين الكونغرس و«إف بي آي»

من بين الأمور التي يمكن للجمهوريين والديمقراطيين داخل الكونغرس الاتفاق عليها أنه عندما يتعلق الأمر بالرئيس ترمب وروسيا، فإن ثمة حاجة لفتح تحقيق. وبالفعل، في غضون أقل من خمسة أسابيع تحرك كثيرون داخل الحزب الذي ينتمي إليه ترمب من موقف التجاهل التام للأمر إلى الدعوة الحثيثة لإجراء تحقيق شامل. وفي تلك الأثناء، يقف الديمقراطيون على أهبة الاستعداد للانقضاض على خصومهم.
وفي خضم ذلك، أعلنت اللجنة المنتخبة الدائمة المعنية بشؤون الاستخبارات داخل مجلس النواب عن حدود التحقيق الذي ستجريه بالأمر. كما أقدمت نظيرتها داخل مجلس الشيوخ على الأمر ذاته، الشهر الماضي. ويتمثل لب التحقيقات في تحديد الصلات ما بين أدوات النفوذ الروسي وحملة ترمب الانتخابية والمقربين من الرئيس.
بطبيعة الحال، هذا تحديدًا نمط الرقابة الذي ننتظره من المشرعين في بلادنا. وظاهرياً، تبدو هذه الإجراءات منطقية، ذلك أن كلا الجانبين له مصلحة في إقرار مجموعة من الحقائق حول طبيعة ما حدث من خلال نتائج يتوصل إليها أعضاء من الحزبين. وإذا كان ما يقوله ترمب صحيحًا حول كذب مزاعم أن القائمين على حملته أو معاونيه تواطأوا مع الروس للتأثير على الانتخابات، فمن المهم إقرار الديمقراطيين بذلك. أما إذا كان العكس صحيحًا، فمن المهم أن يحاسب الجمهوريون زعيم حزبهم عما اقترفه.
ومع هذا، فإنه في مثل هذه الحالة تعتبر التحقيقات السبيل المثلى نحو خلق فوضى، وذلك أن (إف بي آي) يجري تحقيقًا من جانبه في عمليات ممارسة النفوذ التي نفذتها روسيا وأية صلات محتملة بينها وبين ترمب وحملته الانتخابية. وإذا ما عكفت اللجنتان التابعتان للكونغرس على التحقيق في الأمر ذاته، فإن ذلك ربما يقوض عمل المكتب.
وثمة سبل يمكن أن يقع من خلالها مثل هذا التقويض، على رأسها أن المكتب واللجنتين من المحتمل أن يستدعيا ذات المجموعة من الشهود.
من جانبه، أبدى النائب آدم شيف، العضو الديمقراطي البارز في لجنة شؤون الاستخبارات التابعة لمجلس النواب، تأييده للتحقيق، رغم اعترافه بإمكانية وقوع صدام. وصرح خلال مؤتمر صحافي مؤخراً بأنه لو كان عميلاً لدى «إف بي آي»، كان سيشعر بالقلق حيال «ما إذا كان الكونغرس سيسرب معلومات ويفصح عن أشياء تعوق عملنا ويستدعي شهوداً ربما يعارضون ما أخبرنا به الشهود بالفعل».
في الواقع، تبدو وجهة نظر شيف دقيقة تماماً، لكن ما هي احتمالات الإبقاء على المعلومات الجوهرية التي يكشفها التحقيق قيد السرية؟
الحقيقة أن معظم مثل هذه التسريبات تكون خاطئة. هل تتذكرون سكوتر ليبي؟ جميع التسريبات التي خرجت من مكتب المدعي الخاص أشارت إلى أنه كشف هوية ضابطة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، فاليري بليم. أما في الحقيقة، فقد جاء الكشف الأول عن هوية الضابطة من جانب أحد خصوم ليبي البيروقراطيين.
وتكمن مشكلة أخرى فيما يخص اللجنتين المكلفتين التحقيق حول صلات ترمب وروسيا في أنهما غير مهيأتين للاضطلاع بمثل هذا العمل. لقد تأسست اللجنتان للاضطلاع بالإشراف على «سي آي إيه» و«إف بي آي» ووكالة الأمن الوطني وباقي عناصر مجتمع الاستخبارات. أما «إف بي آي»، فهو المنوط به إجراء تحقيقات حول الاستخبارات المضادة.
في أغلب الحالات، تجري مثل هذه الأمور سرًا لضمان جودة التحقيق وحماية هويات الأميركيين الذين يجري التحقيق معهم. وعندما يتعرض أميركيون لاتهامات بالتعاون مع قوة أجنبية يصبح من الصعب للغاية عليهم تبرئة سمعتهم مما علق بها. وعندما يشرع الكونغرس في تصيد الجواسيس من تلقاء نفسه، عادة ما ينتهي بنا الحال إلى الشعور بالندم، ودعونا لا ننسى هنا لجنة مكافحة النشاطات غير الأميركية التابعة لمجلس النواب والتي عرفت تاريخياً باسم لجنة مكارثي.
علاوة على ذلك، فإن مشاركة الكونغرس في التحقيق حول صلات ترمب بروسيا تضع «إف بي آي» في ورطة، خاصة أنه مرت خمسة شهور فقط منذ أن قلب مدير المكتب، جيمس كومي، طاولة الانتخابات رأساً على عقب بإعلانه أن «إف بي آي» يعكف على الاطلاع على رسائل بريد إلكتروني ربما تكون على صلة بالتحقيقات الجارية حول استخدام هيلاري كلينتون بريداً إلكترونياً خاصاً في مراسلاتها، بعدما كان قد أعلن الصيف الماضي عن غلقه. ومنذ ذلك الحين، لم يكشف المكتب عن أي شيء. ومع هذا، ما يزال كثير من الديمقراطيين يعتقدون أن هذا الإعلان من جانب كومي مع ما حمله من دلالات لا سند لها قبيل يوم الانتخابات، كان عاملاً في الهزيمة التي منيت بها مرشحة الحزب الجمهوري.
أما السبب وراء خروج كومي بهذا الإعلان فهو تعهده أمام الكونغرس بإطلاعه على أي تحديثات. واتضح لاحقاً أنه كشف عن هذه المعلومات المبتورة أمام الرأي العام لخشيته أن يجري تسريبها على أية حال بمجرد إخطار الكونغرس بها.
ولحسن الحظ، ثمة حل سهل هنا، فما يزال بمقدور لجنتي الاستخبارات النظر في أمر الصلات المزعومة بين ترمب وروسيا، لكن ينبغي عليها فعل هذا بعدما ينتهي «إف بي آي» من التحقيق الذي يجريه في الأمر، خاصة أنهما لا يتمتعان بسلطة أو قدرة تمكنهما من الاطلاع على مثل هذا التحقيق من تلقاء نفسيهما.
* بالاتفاق مع {بلوبيرغ}