جستن فوكس
TT

5 أسباب وراء النجاح الألماني في القرن الـ21

في كتابه الكئيب الأخير: «القرن الـ21 البائس»، ينصح نيكولاس إبرستادت من «أمريكان إنتربرايز إنستيتيوت» بأن يكبح المرء جماحه، وألا تغمره الفرحة نتيجة تراجع معدلات البطالة أو ارتفاع أسعار الأسهم. كما ينصح بعدم تصديق بلهاء صحيفة «نيويورك تايمز» الذين قالوا إن «ترمب سيرث اقتصادًا متينًا في جوهره». على عكس ذلك، يرى إبرستادت أن «الأمور كانت سيئة على نحو بالغ داخل أميركا الولايات المتحدة الأميركية منذ بداية القرن الـ21».
وفي ملخص لكتاب إبرستادت، كتب ديفيد بروكس، من «نيويورك تايمز» أن «مقابل كل رجل أميركي يتراوح عمره بين 25 و55 عامًا يبحث عن عمل، هناك ثلاثة فقدوا وظائفهم وخرجوا من قوة العمل. ولو أن الأميركيين كانوا يعملون بالمعدلات ذاتها التي كانت قائمة لدى بداية هذا القرن، كان أكثر من 10 ملايين شخص إضافي يملكون وظائف اليوم». ومثلما أوضح إبرستادت، فإن «الحقيقة الجلية أن أميركا شهدت في القرن الـ21 انهيارا مروعًا بسوق العمل».
في الواقع، كل هذا صحيح - رغم أنها بدأت في التحسن منذ مطلع عام 2015 فيما يتعلق بمعدل المشاركة في قوة العمل. عام 2000 كان الأميركيون في مقتبل العمر أكثر احتمالاً بفارق ضئيل لأن يحظوا بوظائف عن أقرانهم الألمان في الفئة العمرية ذاتها الآن، أقل احتمالاً بكثير. والملاحظ أن الفجوة الكبرى تكمن في صفوف الرجال في مقتبل العمر: ففي ألمانيا، حظي 92.5 في المائة منهم بوظائف عام 2015، بينما في الولايات المتحدة، بلغت النسبة 84.4 في المائة فقط.
بوجه عام، تسير الأمور على نحو جيد داخل ألمانيا في الوقت الراهن، الأمر الذي تجلى في العنوان الرئيسي الذي خرجت به صباح أحد الأيام القريبة «زود دويتشي تسايتونغ»، واحدة من الصحف الرائدة على مستوى البلاد - «الحكومة تعوم في بحر من المال». أما صحيفة «فرنكفورتر» العامة الأكثر تحفظًا، فحملت العنوان التالي: «الفائض الأكبر منذ عام 1991»، لكن جاءت القصة مشابهة، حصلت الحكومات داخل ألمانيا على المستويات الفيدرالية والولايات والمحلية على 23.7 مليار يورو (25.1 مليار دولار أميركي) أكثر مما أنفقته عام 2016.
وعليه، فإن التساؤل هنا: لماذا يكون القرن الـ21 حتى الآن أفضل بكثير بالنسبة لألمانيا عنه بالنسبة للولايات المتحدة؟ وفيما يلي بعض التفسيرات المحتملة:
1- كان عقد تسعينات القرن الماضي أفضل كثيرًا بالنسبة للولايات المتحدة عنه لألمانيا. وخلال النصف الأخير من العقد كان الاقتصاد الأميركي المزدهر محط إعجاب وانبهار العالم. أما ألمانيا، فكانت في ذلك الوقت لا تزال تتعافى من بعض القرارات الاقتصادية المشكوك في صحتها وقت إعادة توحيد شطري البلاد الشرقي والغربي عام 1990. وكانت ألمانيا بمثابة «رجل أوروبا المريض» آنذاك. وبالتأكيد، ليس ثمة حركة صعود أو هبوط أزلي في الحياة.
2- أجرت ألمانيا عددًا من الإصلاحات القاسية المتعلقة بسوق العمل مطلع العقد الأول من القرن الـ21. وهدف الكثير من هذه الإصلاحات لجعل سوق العمل الألمانية أكثر شبهًا بنظيرتها الأميركية (بمعنى أن تصبح أكثر مرونة)، لكن جرى إدخال تحسينات أيضًا على المؤسسات المعنية بإعادة التدريب والمعاونة في إيجاد فرص عمل.
3- لا تدين ألمانيا ذات العدد من الأفراد بجرائم، مقارنة بإجمالي السكان، بالنظر إلى بالولايات المتحدة. وفي هذا الصدد تحديدًا، شرح إبرستادت في كتابه «رجال بلا عمل» الصادر العام الماضي أن «يتمثل أحد العناصر المتغيرة المحورية في امتلاك سجل جنائي، واللافت أنه يغيب عن التفسيرات المطروحة للسبب وراء انهيار معدلات العمل والمشاركة في قوة العمل داخل الولايات المتحدة على نحو أكثر دراماتيكية بكثير عن المجتمعات الغربية الغنية الأخرى على مدار الجيلين السابقين».
4- اليورو، وقد أطلق شخص تحدثت إليه في فرنكفورت على هذا الرأي «حجة نافارو»، في إشارة إلى بيتر نافارو، المستشار التجاري للرئيس دونالد ترمب. وتدور هذه الحجة حول فكرة أن ضعف الاقتصادات الأوروبية الأخرى تبقي على العملة الألمانية في وضع أضعف، عما كانت ستصبح عليه لو كانت لا تزال معتمدة على المارك الألماني. وعليه، تحقق ألمانيا فوائد تجارية أكبر الآن، في وقت تحافظ على الوظائف بقطاع التصنيع لديها. من جانبهم، يميل الخبراء الألمان للاتفاق مع هذه الأطروحة، ويقرون أن هذا الأمر غير صحي بالنسبة لباقي دول أوروبا والعالم، لكنهم يرون أن ألمانيا ليس بإمكانها فعل شيء حيال هذا الأمر.
5- الواضح أن ألمانيا تفكر في التوظيف على نحو مختلف عن الولايات المتحدة. وعند النظر إلى الأوضاع بين عامي 2007 و2010، أي سنوات الأزمة المالية والركود الاقتصادي. داخل الولايات المتحدة، تخلت الشركات (وحكومات الولايات والحكومات المحلية) عن ملايين العمال. في المقابل، كان من شأن التعاون داخل ألمانيا بين جهات العمل والنقابات العمالية والحكومة الإبقاء على الخسائر على صعيد الوظائف عند الحد الأدنى. وشهدت ألمانيا إجراءات تقليص للأجور وساعات العمل والإجازات.
إلا أنه مع استعادة الطلب من الخارج عافيته، كانت الشركات والعمال في ألمانيا على استعداد لتلبيته. ويمكن القول إنه بوجه عام يعد الحفاظ على الوظائف أولوية أكبر بكثير بالنسبة لجهات العمل والسياسيين الألمان عنه في الولايات المتحدة. ورغم أنه في بعض الفترات - مثل تسعينات القرن الماضي - بدأ هذا التركيز في غير محله، فإن الآن يبدو ذكيًا تمامًا.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»