ديفيد ليونهارت
TT

أوباما وستيوارت وكلينتون!

يعاني الرئيس الأميركي باراك أوباما أسوأ أوقاته. الصحافيون الذين استماتوا في السابق في الدفاع عنه يهاجمونه الآن.. المشاريع التي راهن عليها تترنح بشدة.. كبار الديمقراطيين ينتقدونه.. صورته كرجل سلام وكاره لمنظر الدماء تضررت كثيرا.. وبالطبع نتائج سياساته الخارجية سلبية جدا، وحلفاء الولايات المتحدة لعقود طويلة في الشرق الأوسط وأوروبا غاضبون عليها.
من أهم الصحافيين الذين هاجموه في الفترة الأخيرة المعلق الكوميدي جون ستيوارت. ستيوارت هو أكثر من دافع عن الرئيس وسخر بخصومه. لكن كل ذلك تغير الآن بعد المشاكل التي يتعرض لها نظام التأمين الصحي شبه المتعطل بسبب بطء المواقع الخاصة بالتسجيل. أوباما ظهر أخيرا في خطابات متعددة تمتدح مزايا التأمين الصحي الجديد لإصلاح بعض الأضرار، إلا أن ستيوارت شبهه بـ«مندوب المبيعات» المحبط في المسلسل الكارتوني «سمبسون» الذي يقول لزبائنه المحتملين «أرجوك اطلب الكثير.. الكثير». الاستراتيجية الإعلامية التي يتخذها العديد من الصحافيين والمعلقين المهووسين بالدفاع عن أوباما تعتمد على التعليق على بعض التصريحات الغريبة والمخبولة التي يقولها بعض متعصبي الجمهوريين وحزب الشاي بحق الرئيس، وتجاهل التصريحات والتعليقات المنطقية المتماسكة. هذه الاستراتيجية ليست نافعة هذه الأيام، لأن المشاكل أكبر من تجاهلها، وهو ما جعل حتى أحد داعمي الرئيس يقول إن سبب كل مشاكل الإهمال ورداءة الأداء يعود لأن الرئيس «يقضي الكثير من الوقت في لعب الغولف ولا يعرف أي شيء!». كما أن ظهور شخصيات جمهورية صاخبة ولكن ذكية ويصعب اغتيالها شخصيا، مثل تيد كروز، أضعف موقفهم المنحاز غالبا.
لكن نظام التأمين الصحي الذي يعقد عليه الرئيس آمالا كبيرة بأن يمثل إرثه الذي سيخلده يعاني من مشاكل عويصة تحتاج وقتا طويلا للإصلاح. ثارت الآن المزيد من الشكوك بسبب تصريح الرئيس بأنه يحق للشخص أن يحتفظ بتأمين الخاص السابق، إلا أن الواقع أثبت العكس. أصوات الناقمين الذين خسروا تأميناتهم تتزايد، وعليهم الآن أن يدفعوا أكثر ليلتحقوا بنظام أوباما الصحي. إلا أن القصة ليست هنا، بل إن القصة تكمن في الاتهامات التي توجه للرئيس بأنه كذب بغرض الترويج لبرنامجه الصحي. لن يحظى البرنامج بالشعبية المطلوبة لو كان الرئيس صريحا وواجهه الناس بالحقائق. لكن هناك من يدافع - ربما محقا - عن الرئيس بأنه لم يعرف فعلا هذه الجزئية المهمة، بل هذا ما قيل له. النظام المتعطل، والرئيس غير الصريح، أو الذي لا يعرف، سيلقيان بظلال داكنة على البرنامج وعرابه.
ليس فقط الإعلام ناقما، ولا النظام متعطلا، بل إنه حتى علاقته بكبار الديمقراطيين مثل الرئيس السابق بيل كلينتون متضررة جدا. قيل إن كلينتون غضب على أوباما بعد أن نكص الأخير بوعده بدعم ترشيح هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد أن قام كلينتون نفسه بدعم أوباما في الانتخابات الأخيرة من خلال الخطابات والمقابلات التلفزيونية. رغم أن هناك من يشكك في هذه الرواية، فإن العلاقة بين الرئيس أوباما والرئيس السابق بيل كلينتون لم تكن جيدة أبدا. السبب يعود لطبيعة الشخصيتين المختلفة وكذلك لانتقادات كلينتون المتصاعدة لسياسات أوباما الخارجية خصوصا في سوريا. كلينتون محب للسياسة وشغوف بممارستها وحتى الحديث عنها، فيما أوباما يمارسها اضطرارا. كلينتون متمرس في عقد الصفقات والتسويات، وأوباما منعزل ومنطو على نفسه وغير محب لتكوين الصداقات والتحالفات. لكن يبدو أن اللوم سيزيد على الرئيس من الديمقراطيين بسبب النظام الصحي المتعطل، الذي يستخدمه من الآن الجمهوريون للنيل من الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة. سيكون الشعار الذي يتردد من الآن «إذا لم ينجحوا في إدارة مواقع إلكترونية، كيف سينجحون في إدارة البلد؟!».
صورة الرئيس حامل جائزة نوبل للسلام لا يأخذها أحد الآن بجدية أيضا. غيرتها بشكل كبير الصورة الجديدة التي نقلت عنها الـ«نيويورك تايمز»، للرجل الذي يمضغ العلكة ويراقب الرسائل الواردة على جهازه الـ«بلاك بيري»، فيما كان يستمع بلا اهتمام لتفاصيل أكبر المجازر في العقود الأخيرة التي يرتكبها نظام الأسد. في كتابه «جرأة الأمل» كتب أوباما أن تغيير التاريخ يحدث عبر أكثر من طريقة: عبر القرارات الحاسمة من أجل الخير التي قد تسبب في سفك الدماء كما فعل الرئيس لينكولن في حرب تحرير العبيد.. أو عبر المقاومة المدنية التي يقوم بها الأنبياء والمصلحون، كما فعل غاندي ومارتن لوثر كينغ. ولكن هذه أيضا صور لا يمكن أن يوصف بها الرئيس أوباما نفسه، والذي من المؤكد أن عهده سيُتذكر ببزوغ القادة الأشرار وارتكاب الفظائع، بما فيها الإبادات الكيماوية، فيما هو لم يفعل شيئا.
أضف إلى ذلك الأخطاء الخطيرة لسياسته الخارجية، وغضب حلفاء الولايات المتحدة، لتدرك أن الرئيس أوباما يعيش أسوأ أوقاته التي قد تطول.