زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

أين هي نفرتاري؟

هل يتصور أي إنسان عاقل أن بقايا ساق واحدة عمرها أكثر من ثلاثة آلاف عام يمكن من خلالها أن يتوصل عالم أشعة إلى تحديد شخصية صاحب الساق، بل ويقرر أنها ساق الملكة نفرتاري؟! بالطبع الموضوع غريب! ولا أعتقد أن أساسه هو العلم، بل البحث عن الشهرة ولو على حساب أي شيء حتى لو كانت على أكتاف الفراعنة.
أعلن أحد المتخصصين في علوم الأشعة ويدعى فرنك رولي؛ ومعه جوان فليتشر أن بقايا آدمية من ساق مومياء هي لمومياء الملكة الجميلة نفرتاري، زوجة رمسيس الثاني! وللتذكير فقط فإن جوان فليتشر أعلنت منذ سنوات أن المومياء المعروفة باسم «السيدة الصغيرة» هي مومياء الملكة نفرتيتي؛ زوجة أخناتون؛ ولم تكلف حتى نفسها بإخطار المسؤولين عن الآثار في مصر في ذلك الوقت حسب ما تقتضي القوانين المنظمة لعمل البعثات الأجنبية في مصر! ونتيجة لذلك تم وقفها عن العمل في مصر. وتعرضت لهجوم في الصحافة الإنجليزية من أحد أصدقائها الصحافيين منذ عام 2009 وإلى الآن.
تعود قصة الكشف عن مومياء الملكة الجميلة نفرتاري إلى عام 1904 عندما تم الكشف عن مقبرتها بوادي الملكات، غرب مدينة الأقصر، وعثر داخل المقبرة على زوجين من الصندل وقطعتين من أرجل محنطة عبارة عن جزء من ساق؛ وتم إيداع هذه البقايا بمتحف تورينو بإيطاليا. وقد قام كل من فرنك وجوان بعمل أشعة مقطعية وكربون 14 على القطعتين المتبقيتين من ساق المومياء ليعلنا على العالم كله أنهما بقايا مومياء نفرتاري! وأنها ماتت في سن الأربعين؛ وأن أسلوب التحنيط المستخدم يرجع إلى الأسرة التاسعة عشرة. وللأسف الشديد قارنا أيضًا هذه البقايا مع بقايا حديثة لسيدة أفريقية! ولا أعرف لماذا هذه المقارنة؟ أو على أي أساس؟ حيث من المعروف أن الجنس السامي يختلف عن الحامي! وأن المصريين وجيناتهم لا علاقة لهم بالجنس الحامي وليس هذا بميزة أو بعيب؛ لكنه علم الجينات والأجناس. المهم أنهما قاما بإرسال نتائج ما ادعيا أنه بحث علمي إلى المجلات العلمية للنشر وبالطبع تم رفض ما قدماه؛ وبالتالي لم يكن أمامهما سوى نشره بعد دفع رسوم النشر لإحدى الدوريات التي تنشر بعد أن تُدفع لها رسوم!
تم نشر خبر تحديد مومياء الملكة نفرتاري دون أي سند علمي ولكن تكهنات وادعاءات الغرض منها تحقيق الشهرة فقط ولا غير. وكان عليّ بالطبع تفنيد هذه الادعاءات التي لا تمت للعلم. ولقد أظهرت خطأ إجراء اختبار تحديد الحمض النووي لبقايا المومياء ومقارنته بالحمض النووي لسيدة أفريقية. ومن يفعل ذلك فبالتأكيد له نوايا خبيثة لا تمت للعلم بصلة.
وقالا إن بقايا الساق لسيدة طويلة! في حين نعرف من خلال مومياوات السيدات الموجودة لدينا في حالة حفظ جيدة أن طول المرأة في مصر القديمة تراوح ما بين 160 سم و165 سم. وقالا بعدم وجود حشوات أسفل الجلد مما يدل من وجهة نظرهما على أن المومياء لا تعود لعصر الاضمحلال الأول، حيث شيوع استخدام الحشو؛ ونسيا أو أنهما لا يعلمان أن المشروع المصري لدراسة المومياوات الملكية كشف عن وجود حشو أسفل الجلد حتى في عصر الدولة الحديثة أي عصر الملكة الجميلة نفرتاري.