د. محمد بن صقر السلمي
مؤسس ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)
TT

الانفتاح الإيراني على الجوار العربي ...الواقع والمأمول

تطمع الدول العربية والخليجية في أن تتجاوز الجارة إيران الأقوال إلى الأفعال، تتجاوز التصريحات التي تنادي بالتقارب مع دول الجوار العربي والسعودية تحديداً، إلى خطوات ملموسة على أرض الواقع. كان الرئيس الايراني حسن روحاني ولا يزال يطلق التصريحات التي تؤكد رغبة بلاده في تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية وكذلك الحال لوزير خارجيته جواد ظريف، وقبل هذا وذاك عراب العلاقات السعودية ـ الايرانية خلال التسعينيات، الرئيس الحالي لمجلس تشخيص مصلحة النظام، آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي جدد هذه التصريحات خلال استقباله قبل أيام السفير السعودي المعين حديثاً لدى طهران الدكتور عبد الرحمن غرمان الشهري، مؤكدا خلال اللقاء على ضرورة توطيد العلاقات بين الجانبين مما ينعكس إيجابا على الأوضاع في المنطقتين العربية والاسلامية.
اتفق تماماً مع رفسنجاني فيما يتعلق بأن التقارب بين الرياض وطهران سوف يحد هذا التقارب كثيراً من التوتر الذي يعصف بالمنطقة، وطهران في إمكانها أن تجعل هذا التقارب ممكنا بتجاوز الخطب المنمقة واللعب على وتر العاطفة إلى اتخاذ خطوات تجعلنا نصفق لهذا التقارب ونؤيده. ويستطيع رفسنجاني تحديداً وبحكم قوة تأثيره على روحاني فعل الكثير، رغم بعض الخلافات «الهامشية» بينه وبين التيار المتشدد المقرب من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. هناك ملفات حساسة يجب أن يلعب رفسنجاني فيها دورا بارزا ليثبت للسعودية وبقية دول المنطقة صدق نوايا إيران وجديتها فيما يتعلق بتحسين العلاقات، وعلى رأس القائمة الأوضاع في سوريا والتدخل العسكري الايراني في الاقتتال السوري - السوري. هناك أيضاً الأوضاع في العراق والبحرين ولبنان واليمن. ماذا قدمت إيران على جميع هذه الأصعدة أو بعضها لتثبت حسن نيتها في حل الخلافات الجوهرية مع جيرانها العرب؟ لا شيء حتى اللحظة، فما الذي تغير ليجعلنا نقول إن هناك تغيرا؟ وما الفرق بين إيران خاتمي وأحمدي نجاد وروحاني في هذا الصدد؟ الإجابة واضحة ولا حاجة للإفصاح أكثر من ذلك!
على صعيد آخر، هناك فرصة ذهبية سانحة لإيران هذه الأيام لردم شيئا من الهوة الحالية بين الرياض وطهران، إذا أراد الساسة في إيران تحقق ذلك فعلا، لا سيما وأن الكرة في ملعبها.
نعلم أن السفير الإيراني لدى المملكة العربية السعودية يحزم حقائبه هذه الأيام للعودة إلى إيران، بسبب انتهاء عمله في الرياض، ونعلم أيضاً أن المرشح لهذا المنصب والذي قد يصل خلال بضعة أيام إلى الرياض خلفا للسفير الحالي محمد جواد رسولي محلاتي، هو حسين صادقي الذي يعمل في قسم السياسة الخارجية بمركز الأبحاث الاستراتيجي التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي يترأسه رفسنجاني. هل هذه خطوة أولية للتقارب؟ ربما..
ولكن هناك فرصة أكبر تتمثل في تعيين إيران سفيرا من أتباع المذهب السني كما فعلت السعودية خلال فترة رئاسة محمد خاتمي عندما تم تعيين الدكتور جميل جشي سفيرا للملكة لدى طهران. وللمعلومية فقط فإن إيران لم تعين منذ انتصار الثورة أي من أتباع المذهب السني في منصب مرموق في البلاد وكان يحيى صادق وزيري (توفي 30 يناير 2013) آخر شخصية سنية وصلت إلى منصب وزير في إيران وكان ذلك في الفترة البهلوية (وزيرا للعدل).
تدرك طهران قبل غيرها حقيقة وجود شخصيات سنية إيرانية مؤهلة لشغل هذا المنصب كما تدرك أهمية مثل هذه الخطوة ووجود مثل هذا السفير خاصة عندما يكون سفيرا لإيران في المملكة العربية السعودية،
فمن المؤكد أن ذلك سوف ينعكس إيجابا على العلاقات بين البلدين وقد يساهم بشكل كبير في تحجيم التوتر الطائفي المتزايد في المنطقة، ويساهم في ترميم أواصر الثقة التي تعرضت وتتعرض للكثير من التصدع لاسيما خلال الثلاث سنوات الماضية كما تحتاج إيران إلى العمل على ذلك إن أرادت أن يثق الجميع بتوجهاتها ونواياها ومدى مصداقية تصريحاتها التي تدعو إلى التقارب ونبذ الفرقة والطائفية. فهل ستخطو إيران مثل هذه الخطوة وتسجل نقطة وتضع اللبنة الأولى لعلاقة جديدة مع جيرانها العرب، وبالتالي تتخلى عن السياسة التي لعبت عليها طويلاً، وتقنع المنطقة بأن إيران في عصر روحاني عازمة حقاً على الانفتاح الجاد على الجوار الخليجي والعربي، من خلال صفحة جديدة تكتب الجملة الأولى فيها بقلم المصداقية لا بقلم البراغماتية السياسية أو يستمر الاعتقاد السائد لدى كثيرين بأن اللغة تغيرت فقط، بينما مسار حسن روحاني هو ذات المسار الذي كان ينتهجه أحمدي نجاد، وأن تغير الوجوه الرئاسية في طهران لا يعني الكثير؟!
* كاتب سعودي