طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

عدالة «الأوسكار» وتعدد الألوان

رغم أننا كثيرًا ما ننتقد نظام «الكوتة»، فإننا قد نلتمس العذر مرددين: للضرورة أحكام، ونعتبر اللجوء إليه في الحياة السياسية بمثابة «أبغض الحلال»، حيث يراعى مثلاً في عدد من البلدان التمثيل النسبي للأقليات الدينية والعرقية، ورغم ذلك فإننا كثيرًا ما نلجأ إليه في حياتنا الثقافية، لتأكيد موقف أو لنفي موقف. في العام الماضي، عندما لم يعثروا على أصحاب الوجوه السوداء بين المرشحين للجوائز في «الأوسكار»، نعتوه بالعنصري، وأطلقوا عليها تهكمًا: جوائز «الأوسكار البيضاء»، وهدد البعض بمقاطعة الحفل مؤكدين أن أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة التي بدأت الأوسكار سنة 1929، بسبب غلبة أعضائها من ذوي البشرة البيضاء، من بين أكثر من 6 آلاف يحق لهم التصويت، انحازوا لمن يحملون لونهم. وتجاهلنا كثيرًا من المرات التي حصل فيها أصحاب البشرة السوداء على جوائز، مثل سيدني بواتييهو ومورجان فريمان ودينزل واشنطن وهالي بيري، بينما نجم مثل ليوناردو دي كابريو لم يحصل عليها سوى العام الماضي فقط. وقبل ثلاثة أعوام، حظي بجائزة أوسكار أفضل فيلم «12 عامًا من العبودية» الذي ينتقد بجرأة النظام العنصري ضد السود، وحظيت لوبيتا نيونغو، الكينية الأصل، بجائزة أفضل ممثلة مساعدة، ثم كيف ننسي أن المواطن الأميركي هو الذي اختار مرتين أوباما رئيسًا؟!
في محاولة لتحقيق العدالة الرقمية داخل الأكاديمية الأميركية، تمت إضافة عدد من الشخصيات من السود، وأيضًا النساء، فأسفرت الترشيحات هذه المرة عن وجود للبشرة السوداء، مثل فيولا ديفيس وأوكتافيا سبنسر ونعومي هاريس؛ ثلاث ممثلات تم ترشيحهن للدورة 89 أفضل أداء دور مساعد في سابقة هي الأولى، وكذلك دينزل واشنطن دور أول وماهر شالا دور مساعد.
لا أتصور أن الأمر من الممكن أن نُقيمه على هذا النحو، هل نعتقد أن أصحاب البشرة السوداء قد قرروا اختيار من يماثلهم في اللون، وهم بالمناسبة لا يزالون أقلية عددية، ثم بالمقياس نفسه سنشعر أن المرأة قد ظلمت هذه المرة، فهي مثلاً كمخرجة أو مديرة تصوير لم توجد، بل إن ترشيحات المرأة في كل أقسام الأوسكار لم تتجاوز 20 في المائة، فهل هذا يعد بمثابة تحفيز لكي تعلن المرأة الغضب؟ الفن يخاطب الوجدان، فهو يراهن على الجمال الإبداعي، متجاوزًا تلك المحددات للون والجنس والعرق والدين، ولو تصورنا جدلاً أن هناك بطلاً مسلمًا في أحد الأفلام، فهل ينبغي على الأعضاء المسلمين ترشيحه، ولو كان يهوديًا يصبح على اليهودي أن يرشحه، تلك الانحيازات تسلب من الفن قيمته، وتخرجه عن كونه إبداعًا إلى منطقة صراع طائفي أو عرقي.
عندما يشارك فنان عربي في لجنة تحكيم دولية لن يناصر الفيلم العربي لأنه عربي، بل سينحاز للعمل الفني أيًا كانت جنسيته؛ الأوسكار الذي سيتحول يوم 26 فبراير (شباط) إلى منصة تنطلق منها صواريخ تتوجه إلى ترمب بسبب قراراته الأخيرة التي تصب تجاه العنصرية، عليه أيضًا أن يقفز فوق أسوار العنصرية.
الكفاءة ينبغي أن تكون دائما ديدن الفن والإبداع و«الأوسكار»!