محمد العريان
أقتصادي مصري- أمريكي
TT

حظر سفر سلبي

ثمة سياسات جريئة وبسيطة تحمل ميزات كبرى، لكن القرار التنفيذي الصادر الجمعة، ويقضي بحظر دخول مواطني دول بعينها إلى الولايات المتحدة، ووقف استقبال لاجئين سوريين بالبلاد إلى أجل غير مسمى، ليس منها بالتأكيد.
وبالنظر إلى شكل القرار، وأسلوب تنفيذه، تبقى هناك شكوك قوية حول مدى فاعليته في تحقيق الهدف المعلن من ورائه، والمتمثل في الحيلولة دون وقوع أعمال إرهابية. كما يحمل القرار مخاطرة التسبب بالكثير من الأضرار والتداعيات غير المقصودة، وقد يتضح نهاية الأمر أنه أتى بنتائج سلبية عكس المرجوة منه على أصعدة الأمن الوطني والاقتصاد والسلطة الأخلاقية التي تتمتع بها أميركا وقيمها ومكانتها عالميًا. وحتى مزايا القرار، كإشارة موجهة للرأي العام الداخلي، مشكوك فيها، ويحمل هذا مخاطرة الإضرار بمصداقية السياسات المستقبلية الصادرة عن البيت الأبيض وفاعليتها.
بالنظر إليه، نجد أن القرار ينص باقتضاب على أنه يرمي إلى «حماية الشعب الأميركي من هجمات إرهابية على يد مواطنين أجانب سمح لهم بالدخول إلى الولايات المتحدة». ويقضي القرار بحظر دخول مواطنين من سبع دول (إيران والعراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن) خلال فترات محددة.
إلا أن هذا القرار يعكس توجهًا أخرق للغاية حيال قضية بالغة الأهمية. وتوحي التقارير الأولى الواردة بخصوص تطبيقه أن حاملي فيزات طويلة الأمد تمكنهم من الدخول إلى الولايات المتحدة، وكذلك حاملي الـ«غرين كارد»، وأصحاب المواطنة المزدوجة، جرى رفض السماح لهم بالدخول في المطارات، أو منعوا من استقلال الطائرات المتجهة إلى أميركا. ويتضمن ذلك أفرادًا كانوا يعيشون بالولايات المتحدة بصورة قانونية لسنوات كثيرة، وخضعوا للفحوصات الأمنية المطلوبة، وكانوا عناصر منتجة ومندمجة في مجتمعاتهم المحلية. وبالنظر إلى إعلان «غوغل» أن القرار يؤثر على 100 من موظفيها كانوا مسافرين إلى الخارج، من الواضح أن القرار يؤثر كذلك على عاملين مقيمين داخل الولايات المتحدة يسددون ضرائب، ويسهمون بصورة إيجابية في النمو الوطني، وكانوا خلال عطلة نهاية الأسبوع في عطلات خارج البلاد، أو رحلات عمل. والآن، قد يكونون عالقين خارج البلاد.
ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان حظر السفر يؤثر أيضًا على أولئك العاملين بمؤسسات دولية تستضيفها الولايات المتحدة على أراضيها، بما في ذلك صندوق النقد والبنك الدوليان. في الواقع، إن مجرد وجود شكوك كفيل بمنع بعض العاملين في هذه المؤسسات من السفر إلى الخارج لأغراض تتعلق بالعمل، مما يؤثر بالسلب بدوره على فاعلية هذه المؤسسات. وهناك أيضًا طلاب المؤسسات التعليمة الأميركية الذين لم يعد بعضهم للالتحاق بالنصف الثاني من العام الدراسي.
وبالنظر لما سبق، من غير المثير للدهشة العدد الضخم من الأصوات المنتمية لمختلف التوجهات السياسية التي تشكك في حكمة هذا القرار، وتندد بالطبيعة التمييزية الصارخة التي يتسم بها، وما يحمله من تهديد لكل ما يجعل أميركا محط إعجاب الجميع وتقديرهم. في الواقع، ينطوي هذا الحظر على مخاطرة تقويض مصداقية إدارة الرئيس دونالد ترمب، وخلق رياح معاكسة محتملة تضر بفاعلية إجراءاتها المستقبلية، عبر مجموعة واسعة من القضايا.
وربما هناك من يعتقد أن كل هذا سيكون ثمنًا مقبولاً، لو تمكن القرار من تحقيق الهدف المرجو منه، لكن حتى عند هذه النقطة يظهر عدد من المشكلات.
في الواقع، لقد أوضح الكثيرون بالفعل أن أيًا من الحوادث الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة، بما في ذلك هجمات 11 سبتمبر (أيلول) المروعة، لم يتورط بها مواطنون من الدول السبع الواردة في القرار.
ومن الممكن أن يخلف القرار تداعيات سلبية أخرى، ذلك أن البعض أوضح أنه يؤثر على أولئك الذين قاتلوا إلى جانب القوات الأميركية في معارك خطيرة، وبعضهم أتى بأعمال بطولية أنقذت أرواح جنودنا. ويعد هذا إحدى الإشارات السلبية التي يبعث بها القرار إلى الأعداد الغفيرة من مؤيدي الولايات المتحدة الذين يعيشون في الدول الواردة أسماؤها بقرار الحظر.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»