ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

ماذا تريد إسرائيل من أميركا؟

يشكل احتضان الرئيس ترمب الملاحظ لإسرائيل معضلة غير مرغوب فيها لقادة الدولة اليهودية؛ فعليهم اتخاذ القرار بشأن ما يريدونه من الولايات المتحدة، وهناك اختلاف حاد وكبير حول هذا السؤال.
تحرك نتنياهو لاغتنام لحظة ترمب السانحة يوم الثلاثاء؛ إذ أعلن أن إسرائيل تخطط لبناء 2500 وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية. وقبل يومين فقط كانت هناك مكالمة هاتفية؛ تلك التي وصفها الرئيس الأميركي الجديد بـ«المحادثة الهاتفية اللطيفة للغاية». وقال نتنياهو يوم الثلاثاء: «إننا نبني... ولسوف نواصل البناء»، في تصريح مفعم بالتحدي والجرأة.
ولكن تحرك نتنياهو السريع أغضب بعض المسؤولين الإسرائيليين الآخرين، الذين يقولون إن بناء المزيد من المستوطنات يدفع إسرائيل في اتجاه الضم الكامل لأراضي الضفة الغربية، مما يعني نهاية حل الدولتين. وقال إسحق هرتسوغ، زعيم أكبر تكتل للمعارضة في إسرائيل، إن أنصاره سوف يقاومون الأجندة المؤيدة لبناء المزيد من المستوطنات التي يعتبرونها تهديدًا لوضعية إسرائيل الراهنة كدولة يهودية ديمقراطية.
يوفر انتخاب الرئيس ترمب ما حلم به كثير من الإسرائيليين: تخفيف الضغوط الأميركية على إسرائيل لتقديم التنازلات إلى الجانب الفلسطيني. ولكن بالنسبة للبعض، فإنها حالة «كن حذرًا من رغباتك وأحلامك». قد تكون وجهات النظر الإسرائيلية على قدر معتبر من الحسم الآن، ولكن البلاد لا تزال منقسمة بعد خمسين عامًا من احتلال الضفة الغربية في حرب عام 1967.
وهناك عرض بانورامي من الألغاز في مواجهة إسرائيل الآن في عهد الرئيس ترمب، والتي طرحت نفسها خلال الأسبوع الحالي في مؤتمر استضافه معهد دراسات الأمن القومي، وكانت الأصوات متباينة وبشكل واضح، فقد قالت تسيبي ليفني، عضو البرلمان والتي تعتبر من أشد أنصار اتفاق السلام: «يجب على إسرائيل الاختيار بين الفصل أو الضم. ومع الإدارة الأميركية الجديدة، لن نلقى نفس الضغوط الشديدة من جانب واشنطن التي شهدتها إسرائيل في الماضي. لدى إسرائيل الفرصة السانحة الآن لاتخاذ القرار بشأن المستقبل الذي تسعى لتأمينه».
واستخدم نفتالي بينيت، رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني المتطرف، التوقيع المفضل للرئيس ترمب «أنت مفصول» في وصف ما سوف يقوله للمسؤولين الإسرائيليين الذين يؤيدون ما وصفه بأنه عملية السلام الفاشلة. وطرح بينيت خطة للإعلان الرسمي عن السيادة الإسرائيلية على كامل أنحاء الضفة الغربية.
أما هرتسوغ، فقال للمؤتمر إنه ينبغي على إسرائيل البدء في المضي قدمًا نحو إقامة الدولة الفلسطينية في نهاية المطاف. وأوضح خطة انتقالية تمتد لعشر سنوات تنتهي بحل جميع قضايا «الوضع النهائي» مثل مدينة القدس وحقوق اللاجئين. والبديل المطروح لمثل هذا الفصل، كما أوضح، هو «انتحار» إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.
ويعاني الرأي العام الإسرائيلي من انقسام شديد. ولكن، وفقًا لاستطلاع الرأي المقدم في المؤتمر، هناك 59 في المائة من المواطنين اليهود يفضلون حل الدولتين، وأكثر من 60 في المائة يؤيدون الانسحاب من بعض المستوطنات على أدنى تقدير.
وحث الجانب الأميركي الحاضر في المؤتمر الجانب الإسرائيلي على توخي الحذر في الطلبات المقدمة إلى الرئيس ترمب؛ إذ قال مارتن إنديك، السفير الأميركي الأسبق لدى إسرائيل: «من الصعب معرفة ما سوف يفعله الرئيس ترمب، لأنني غير متأكد أنه نفسه يعرف ذلك».
وفي دليل على عدم اليقين لدى ترمب، أشار إنديك إلى أنه خلال الأسبوع الماضي، بدت الإدارة الجديدة وقد انتقلت من تأييد الدعوة إلى النقل السريع لمقر السفارة الأميركية إلى القدس إلى القول بأن المسألة لا تزال في مراحلها المبكرة لاتخاذ القرار النهائي بشأنها.
وحث والتر راسل ميد، الخبير البارز في السياسة الخارجية، الجانب الإسرائيلي على «عدم الاعتماد على المزاج الشعبي في الولايات المتحدة في تعريف وتحديد تصرفات ترمب»، وأضاف أنه لا ينبغي اعتباره «رجل إسرائيل».
ولقد أعرب ترمب عن رغبته في التفاوض بشأن الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني الذي، إن قدر له النجاح، من شأنه فعلاً إثبات براعته في إبرام الصفقات. ولكن إيتامار رابينوفيتش، السفير الإسرائيلي الأسبق لدى الولايات المتحدة والخبير المخضرم في مفاوضات السلام، حذر الحضور في المؤتمر قائلا: «لا يمكن اعتبارك مفاوضًا ناجحًا... إذا ما نجحت في إبرام الصفقة التي يؤيدها 90 في المائة من الشعب الإسرائيلي. فهي لن تنطلي على أحد». أما شلومو أفينيري، وهو أستاذ جامعي إسرائيلي بارز، فقد قدم ملخصًا شديد الصراحة لمعضلة بلاده الحالية، إذ قال: «لم تحسم إسرائيل أمرها لما بعد عام 1967 بشأن أي نوع من الدول تريد أن تكون، من الناحية الجغرافية والديموغرافية... وخلال العام الحالي، ينبغي علينا تحديد نوع إسرائيل التي نريد». وهذا بالضبط هو اللغز الذي يطرحه ترمب: «ما الذي ينبغي على الإسرائيليين المطالبة به؟».

* خدمة «واشنطن بوست»