بكر عويضة
صحافي فلسطيني بدأ احتراف الصحافة في ليبيا عام 1968 حيث عمل في صحيفة «الحقيقة» في بنغازي، ثم «البلاغ» و«الجهاد» في طرابلس. واكب صدور الصحافة العربية في بريطانيا منذ 1978 فعمل في صحيفة «العرب»، ثم مجلة «التضامن»، وبعدها جريدة العرب الدولية «الشرق الأوسط»، كما عمل مستشاراً لصحيفة «إيلاف» الإلكترونية.
TT

ترامب... إذا ضرب

هذا النهار من الأسبوع المقبل، سيكون آخر أربعاء للرئيس باراك حسين أوباما في المكتب البيضاوي. بالمقابل، يُفترض أن ترتفع وتيرة الإعداد لتنصيب الرئيس المُنتخب، دونالد جون ترامب، كي يتسلم بعد ذلك اليوم بثمان وأربعين ساعة مفتاح البيت الأبيض. كأني أسمع صوتًا يصيح بلهجة عربية تتصف أحيانًا بالمرح، حتى في أحلك لحظات الجَد: (يا نهار«..».)، أو مناديا في الطرف المقابل من العالم العربي راح يستجير بما مضمونه: (يا لطيف... يا لطيف). لماذا؟ ما الداعي لكل ذلك التشاؤم الزاعق بالمخاوف إزاء انتقال ملياردير أعمال من الإقامة ببرج شاهق يناطح السحاب، إلى دار الرئاسة بأقوى دول الكوكب؟ الأرجح أن الجواب سهل، وهو دليل نجاح للسيد ترامب نفسه، سبق فوزه في أسوأ حملة انتخابات رئاسية عرفتها الولايات المتحدة. شرح ذلك أن ترامب نجح أثناء سباق الترشيح داخل صفوف الجمهوريين، في خلق أجواء خوف واشمئزاز أسهمت في فشل مناوئيه، وإذ خلت الأجواء له جمهوريًا، أخذ في تقريع مسز كلينتون، وكل من ناصروها ديمقراطيًا، ثم شرع يزقزق في فضاء «تويتر» بما يثير السخرية حينًا، وما يفزع أحيانًا، بل هو أكثر من التغريد حتى احتار مراقبون كثر كيف يجد الوقت، وقد سمعت مذيع «إل بي سي» اللندنية يصيح مساء السبت الماضي غاضبًا، حتى خلت أنه ضرب جبينه بالحائط، أو لاقط الصوت: منذ تبعته لم يتوقف الجوال عن إشعاري بتغريدة جديدة له، عجبا، من أين لمستر ترامب كل هذا الوقت؟
حقًا، أنَّى لرجل يدير إمبراطورية أعمال بحجم ما يملك دونالد ترامب العثور على الوقت لمثل كل تلك التغريدات، بل إن فنانة عالمية بمستوى ميريل ستريب لم تفلت من رده عليها، أول من أمس، عبر تغريداته؟ بالطبع، سيقال إن هذا السؤال ساذج، فمن هو مِثل ترامب ليس يحتاج أي وقت، والغبي فقط يتصوّر أنه يجلس بنفسه إلى الجوال الذكي، فيكتب تغريداته ثم يرسلها، أليس حوله ما يكفي من أناس يكْفونه مؤونة تلك المشقة، ألا يكفيه أن يهمس بالتغريدة لإحدى السكرتيرات؟ ربما، احتمال وارد أن هذا ما يحصل، لكنه غير مؤكد، إنما التساؤل الذي يبقى قائمًا، هو ما إذا كان الرئيس ترامب سوف يواظب على أسلوب إعلان المواقف أو القرارات عبر تغريدات «تويتر». إن حصل ذلك، بصرف النظر عن عامل توفر الوقت، وحقيقة وجود دور للمساعدين أو عدمه، فإن الأمر في حد ذاته سيكون سابقة، وهي سوف تحمل معها هامش خطر يُفترض أن يؤخذ بعين الاعتبار، ذلك أن خطأ غير مقصود يتضمنه نص تغريدة لرئيس أميركا، هبّ أنه مجرد خطأ إملائي، قد يشعل حرائق ربما لم تخطر على بال أحد، وربما يصعب إطفاؤها قبل فوات الأوان وانتشار ألسنة لهيبها.
ثم ماذا؟ يُقال في كثير أمثال ما معناه إن «الشاطر يضرب ضربته ويهرب»، فهل سيُضرَب هكذا مثل في المُنتظر من ضربات الرئيس ترامب؟ الآراء في هذا الأمر ليست سواء، بل تراوح بين تشاؤمٍ متخوّفٍ من أسوأ العواقب، وبين مُتفائل يخفف من هولٍ راح المروجون له يصورون عالم ما بعد نجاح ترامب وقد انقلب رأسًا على عقب. الأرجح أن أول تسعين يومًا سوف تشهد انشغال فريق ترامب الانتقالي بترتيب أوراق أولويات الإدارة الجديدة، وإذا كان الهم الخارجي يشغل اهتمام أي إدارة أميركية، فالأصح في حالة الرئيس ترامب أن يتقدم الشأن الداخلي على ما عداه خلال السنة الأولى لحكمه، ذلك أنه ملزم بتنفيذ أبرز وعوده الانتخابية داخليًا، وفي هذا السياق يجوز افتراض أن أول الضربات ستطال إرث باراك أوباما، الشخص والإدارة، طوال ثماني سنوات، وخصوصًا ما تعلق بالضمان الصحي.
على الصعيد الدولي، وبرغم كل ما رشح من توقعات، وما أعقبها من تحليلات، ليس من الواضح يقينًا أين سوف ينصب اهتمام ترامب، الشخص والإدارة، هل الصين في مرمى أهداف الضربات الاقتصادية أولاً، أم تسبقها إيران بتجديد العقوبات ضدها، وربما ضربها عسكريًا؟ وهل يبين الأبيض من الأسود في شأن «صداقة» ترامب - بوتين بما يطمئن أهل الأرض أم على نحو يفزعهم؟ لقد غادرت حاملة الطائرات الروسية الوحيدة مياه المتوسط الدافئة على السواحل السورية، مع اقتراب تولي ترامب الرئاسة، ما أوحى بأن قيصر الكرملين يرسل إشارة ودٍ ميدانية لسيد البيت الأبيض الجديد. عِوض قراءة تلك الإشارة بترحيب، استقبلها البعض في الغرب بالتشكك في مراميها. عند السياسيين، الأسبوع زمن طويل جدًا، وما بين اليوم والأربعاء المقبل، قد يحصل ما لم يخطر على بال، أو تصوّره خيال.