مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

ما هذا (؟!)

رغم مضي عشرة أيام على دخول السنة الجديدة، فما زالت أصداؤها تصدح في رأسي، وما بين التشاؤم والتفاؤل قرأت عن هذه الحادثة:
في ليلة رأس السنة، جلس المؤلف أمام مكتبه وأمسك قلمه، وكتب: «في السنة الماضية، أجريت عملية المرارة، ولازمت الفراش عدة شهور، وأحلت إلى التقاعد، وتوفي والدي، ورسب ابني في السنة النهائية من كلية الطب لتعطله عن الدراسة عدة شهور بسبب إصابته في حادث سيارة، يا لها من سنة سيئة»، فدخلت زوجته غرفة مكتبه، ومن فوق كتفه قرأت ما كتب فتركت الغرفة بهدوء، وبعد دقائق عادت وقد أمسكت بيدها ورقة أخرى، وضعتها بهدوء بجوار الورقة التي كتبها، وتناول الزوج الورقة وقرأ فيها: «في السنة الماضية شفيت من آلام المرارة التي عذبتك سنوات طويلة، وتقاعدت وأنت في تمام الصحة وستتفرغ للكتابة بعد أن تم التعاقد معك مع شركة أخرى، وعاش والدك حتى بلغ الخامسة والثمانين بغير أن يسبب لأحد أي متاعب، ونجا ابنك من الموت في حادث السيارة وشفي بغير أية عاهات، وختمت الزوجة عبارتها قائلة يا لها من سنة حسنة تغلب فيها حظنا الحسن على حظنا السيئ» - انتهى.
غير أن ما أقض عليّ مضجعي، وجعلني أتقافز في مكاني (كالجندب)، هو ما قرأته بعد ذلك من رأي أو فتوى صدح بها شيخ له مكانته، والمفارقة أنه عضو في جمعية (تراحم)، ومما غرد به أنه قال:
أن يرتكب المسلم جميع الكبائر مجتمعة - انتبهوا (جميع الكبائر) - لهي أهون عند الله من أن يهنئ أحدكم النصراني بعيده (!!).
ومع احترامي لهذا الشيخ إلا أن كلامه هذا أوقعني بحيرة، فأين هو مما جاء في هذه الحادثة التي أوردها أبو حيان التوحيدي في كتاب (الإمتاع والمؤانسة) التي قال فيها:
كان لـ(الحسن البصري) جار نصراني، وكان له (كنيف) - أي حمام - على السطح، وقد ثقب ذلك في بيته، فكان يتحلب منه البول في بيت الحسن، فأمر الحسن بإناء فوضع تحته، فكان يخرج ما يجتمع منه ليلاً.
ثم مرض الحسن ذات يوم فعاده جاره، ولما رأى ذلك سأله متعجبًا: منذ متى وأنتم تتحملون مني هذا الأذى؟!، فقال الحسن: من عشرين سنة.
صعق النصراني ومن شدة انفعاله قطع زناره - أي حزامه -، ويقال إنه أسلم بعد ذلك - انتهى.
الحقيقة أنني لم أبلع، ناهيكم عن أن أهضم: أن الشرك والقتل والزنا والربا والسرقة وكلها من الكبائر هي عند الله أهون من مجرد (تهنئة)!!