أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

بطولة ورسالة إعلامية

غدت حادثة مقتل إرهابيين اثنين من تنظيم داعش الإرهابي في مدينة الرياض صباح السبت الماضي، حديث وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والعالمية. وربما ليس من قبيل الغرابة أو الاستثناء مقتل عناصر التنظيم الإرهابي الذي أعلن العالم حربه ضده، فهم يُقتلون كل يوم سواء في مناطق النزاع، كما في العراق وسوريا وليبيا، أو في عمليات استهداف كما في السعودية، وكذلك في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. لكن تفاصيل ما جرى في حي «الياسمين» شمال مدينة الرياض قُدّر له أن يوثق وينشر بالصوت والصورة مع خلفية صوتية للسيدة الشجاعة التي التقطت اللحظة، ووثقت بعدسة جهاز الجوال المواجهة التي جرت بين رجل أمن وعنصرين من التنظيم، خلال مداهمة قوات الأمن للمنزل الذي كانا يتخذانه معملاً لصناعة المتفجرات والقنابل والأحزمة الناسفة.
الشارع السعودي قرأ عن هذه المواجهة في مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن تبث السيدة ما التقطته من خلف نافذة منزلها المقابل لمنطقة الاشتباك، لكن من قرأ ليس كمن رأى، ومهما قيل من تفاصيل حول ما جرى لن يكون له أثر المشاهدة، خاصة أن الموقف انطوى على إقدام من رجل الأمن الباسل العريف جبران عواجي، الذي عاجل الإرهابيّين بمسدسه قبل فرارهما، رغم أن كليهما قد احتزما بحزام ناسف معد للتفجير، ولو تمكنا من الهرب بسيارة الأمن التي وصلا إليها فعلاً لربما انطلقا لاستهداف مركز تجاري أو منازل الحي السكني وتفجير أحزمتهما الناسفة وإحداث كارثة إنسانية ومادية لا نعرف مداها.
شجاعة جبران عواجي قضت على عناصر إرهابية خطيرة أحدها المطلوب لدى الجهات الأمنية طايع الصيعري، الذي كان فنيًا متخصصًا في إعداد المتفجرات المحلية والأحزمة الناسفة، ولديه سجل سوابق أسود في تنفيذ عمليات إرهابية في المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة ومستشفى في عسير بأحزمة ناسفة من صنعه، بعد أن هجر دراسة الهندسة الكيميائية في نيوزيلندا. كان تصدي عواجي بمسدسه لأسلحتهما الرشاشة خطرًا وشيكًا محدقًا به ولا شك، لكنه لم يراجع نفسه ولم يتردد، بل نفّذ ما تدرّب عليه وعمل لأجله. في موقف مماثل، التصرف التلقائي السريع والصحيح، يكشف مستوى التدريب والعمل، امتحان مفاجئ لكن تم الإعداد له. وربما تذكرنا هذه اللقطة التاريخية بين العريف جبران عواجي والإرهابيين، بمواقف مماثلة دونها التاريخ لمواجهات تطلبت الحسم السريع بين أطراف متحاربة، ونذكر منها محاولة اغتيال الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان على يد جون هينكلي في بداية الثمانينات بعد خروجه من فندق الهيلتون في واشنطن العاصمة، ورد الفعل الفوري وسرعة البديهة للحرس الرئاسي الذي تحرك فور سماع إطلاق النار إلى هدف واحد وهو حماية الرئيس. أحدهم دفع به داخل السيارة والآخر وقف بين مصدر إطلاق النار والرئيس وتلقى الرصاصة بدلاً عنه. من يعيد مشاهدة لقطة محاولة الاغتيال لا يمكنه فصل هذه الأحداث المتلاحقة عن بعضها، وكأنها كلها جاءت خلال ثانية واحدة. إنه التدريب الجيد لأفراد شجعان.
قصص بطولات رجال الأمن السعودي في مكافحة الإرهاب سيناريو متكرر، أفضل من أجاد وصفها ولي العهد ووزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله، حينما أشار باعتزاز إلى أن كل رجل أمن سعودي أصيب في مواجهة أو قتل، كانت إصابته من الأمام لا الخلف، دلالة على الإقدام في مواجهة العدو.
ومع سعادتنا بنجاح العملية الأمنية والقضاء على المجرمين، وإعجاب وإطراء مستحق حصل عليه العريف عواجي من القيادة السعودية والمواطنين، كان هذا الموقف كريمًا بأن تضمن كذلك رسالة إعلامية لكل العالم، صنعتها ونشرتها سيدة سعودية صادف أنها تسكن مقابل ساحة المواجهة، فسجلت ما جرى بتليفونها الجوال وهي تبكي مذعورة من مشهد إطلاق النار وتدعو بوجل على الإرهابيين وتسأل الله السلامة منهم. موقف صادق وعفوي من مواطنة ترى في «داعش» تهديدًا لحياتها وأمن حيّها السكني ومدينتها وبلدها. هذه المواطنة الطيبة الشجاعة تمثل المجتمع الذي يشكك بعض سياسيي ومثقفي الغرب باعتداله ومواقفه من التطرف والمتطرفين، رسالة إعلامية بأن الإرهابيين الذين قد ينجحون في اختراق النسيج الاجتماعي في المملكة نجحوا وسينجحون في مواطن أخرى من هذا العالم، ولا يمكن أن نوصم مجتمعًا أو عرقًا أو دينًا بالإرهاب في ظل «عولمة» الإرهاب وتمدده خلال القارات. ومثل هذه السيدة كثير في السعودية وغيرها يخشون على حياتهم ومستقبل أبنائهم من توغل يد الإرهاب وتطاولها على استقرارهم.
الحقيقة أن جل ما يحتاجه العالم للانتصار على الإرهاب هو ما رأيناه في حادثة حي الياسمين؛ خطاب مجتمعي يدين ويجرّم الإرهابيين والمتشددين الذين يناصرونهم، من جهة، وقوى أمنية صلبة، تتصدى وتحمي وتردع، من جهة أخرى. هذا التكامل هو الوصفة التي ستقاوم التشدد والتطرف والإرهاب. ومهما بلغت قوة وتمكن أي منهما، فلن يبلغ النصر وحده.