جوش روغين
صحفي أميركي
TT

على أميركا الانضمام إلى أوروبا لمقاومة التدخل الروسي

كان إعلان الرئيس أوباما، خلال الأسبوع الماضي، فرض عقوبات على روسيا بالنسبة إلى كثير من الأميركيين بمثابة إدراك صادم بأن روسيا تستخدم جميع أشكال الحرب التقليدية منها وغير التقليدية، في إطار محاولة عدوانية لعرقلة وتقويض نظامنا الديمقراطي. مع ذلك لا يعد هذا نبأً جديدًا بالنسبة إلى كثير من الأوروبيين. ففي الوقت الذي كان أوباما يخبر الشعب الأميركي فيه بهذا التهديد، كان ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ البارزين يتلقون درسًا من قادة ثلاث دول في حلف شمال الأطلسي تعاني الأمرّين من التدخل الروسي. وتتوسل إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، التي حاربت وحدها لسنوات طويلة، إلى الولايات المتحدة للانضمام إلى المعركة.
أمام كل من إدارة ترامب والكونغرس خلال عام 2017 سؤال مهم خاص بالسياسة الخارجية، وهو هل ستشارك الولايات المتحدة الأميركية هذه الدول، وغيرها من الدول الغربية الديمقراطية، في التصدي للحملة العدوانية العالمية المعززة بالقوة العسكرية، التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أم لا؟ الخطوة الأولى على هذا الطريق هي الإقرار بالحجم والنطاق الحقيقي للمشكلة.
أخبرتني آمي كلوبوشار، عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي عن ولاية مينيسوتا، خلال مقابلة من مدينة تالين، عاصمة دولة إستونيا: «إذا كان هناك جانب إيجابي لهذا الهجوم على نظامنا الديمقراطي فسيكون هو توضيح ما تفعله روسيا على الساحة العالمية أخيرًا». وكانت آمي قد سافرت إلى مدينة تالين بمرافقة كل من جون ماكين، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية أريزونا، وليندسي غراهام، عضو مجلس الشيوخ الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية. وقالت آمي: «ما أدركته هو أن الأمر لا يتعلق بحزب سياسي واحد، ولا بانتخابات واحدة، ولا بدولة واحدة فحسب. نحن بحاجة إلى الصمود، واتخاذ موقف، والتعاون معًا».
ولا تعد القرصنة الإلكترونية في دول البلطيق سوى طريقة من عدة طرق تستخدمها روسيا لإلحاق الأذى بها. لقد أفسدت موسكو الساحة الإعلامية من خلال شنّ حملة دعائية باللغة الروسية استهدفت ملايين المواطنين الذين يتحدثون اللغة الروسية في المنطقة. قبل سنوات من الحملة الرئاسية الأميركية، وتحديدًا عام 2007، حدث هجوم روسي ضخم عن طريق الإنترنت على إستونيا استهدف الرئاسة، والبرلمان، وأكثر الوزارات الحكومية، والمصارف، والمؤسسات الإعلامية بشكل متزامن. وكان رد فعل الدولة الصغيرة في منطقة البلطيق هو تولي قيادة دولية للدفاع عن أمن الإنترنت.
لقد دعمت روسيا السياسيين والأحزاب السياسية من تيار اليمين المتطرف في مختلف أنحاء أوروبا، بما فيها ألمانيا، وفرنسا، المقبلتان على انتخابات مهمة قريبًا. يسيطر القادة المؤيدون لروسيا، سواء ممن يحظون بدعم مباشر أو غير مباشر من الحكومة الروسية، على الحكومة في كل من أرمينيا، وجورجيا، والمجر، ومولدافيا.
وذكر أوباما التحدي الأكبر، الذي يواجهه العالم الحر ضد روسيا، في التصريح الذي أعلن خلاله عن موقفه إزاء القرصنة الإلكترونية الروسية. وقال: «إضافة إلى تحميل روسيا مسؤولية ما قامت به، على الولايات المتحدة، وأصدقائها، وحلفائها حول العالم التعاون والعمل معًا من أجل التصدي لمحاولات روسيا تقويض السلوك الدولي الراسخ، وإحداث خلل في نظام الحكم الديمقراطي».
مع ذلك لا يعد رد أوباما بفرض عقوبات على مسؤولي الاستخبارات الروسية في موسكو، وطردهم من الولايات المتحدة، سوى بداية للتعامل مع تلك القضية الأكبر، حيث لا تمتلك الشخصيات القيادية في الاستخبارات الروسية كثيرا من الأصول الأميركية التي يمكن للولايات المتحدة تجميدها، ولن يمثل اضطرار موسكو إلى نقل 35 مسؤول استخبارات أكثر من مطب صناعي على طريق جمع المعلومات والتجسس.
ويتعهد قادة الكونغرس بإضافة مزيد من العقوبات إلى ما سيقوم به أوباما، ومنها إجراءات تتجاوز حدود معاقبة أطراف بعينها على عملية القرصنة الأخيرة والتدخل السياسي. وصرح غراهام لصحافيين في لاتفيا قائلا: «تحاول روسيا قصم ظهور الدول الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم». وقال في سياق تعهده بدعم الحزبين لفرض مزيد من العقوبات: «يمكن للمرء توقع بعض المعاناة الاقتصادية. سوف يحدث هذا في أميركا، لكن الحرية تستحق ما ندفعه من ألم ومعاناة. لقد آن لروسيا أن تفهم أن كل ذلك يجب أن ينتهي».
يبدو أن إدارة أوباما عازمة على توعية الأميركيين بشأن التهديد الروسي قبل مغادرتها للسلطة، فقد أصدرت يوم الخميس الماضي عددًا كبيرًا من البيانات من هيئات وأجهزة كثيرة بشأن التدخل في الانتخابات، وتعهدت بإصدار تقرير أكثر تفصيلا عن أنشطة موسكو في مجال القرصنة الإلكترونية. الأمر غير الواضح هو ما إذا كان المواطن الأميركي الأكثر حاجة إلى توعية بشأن هذا الأمر، وهو الرئيس المنتخب دونالد ترامب، على استعداد للإصغاء أم لا. ويشعر حتى بعض الجمهوريين بالقلق من احتمال توجهه نحو التوصل إلى تفاهم مع روسيا يمنح بوتين فرصة التصرف والحركة بحرية أكبر في أوروبا، ويسمح ببقاء الاحتلال العسكري الروسي لشبه جزيرة القرم واستمرار تبعيتها لروسيا، ويدعم الدور الروسي كقوة عظمى في الشرق الأوسط.
ما يزيد من المخاوف في واشنطن إجراء ترامب وكبار مستشاريه لقاءات واجتماعات مع ممثلين لأحزاب من تيار اليمين المتطرف المؤيدة لروسيا في أوروبا، في الوقت الذي يتجاهل فيه حكومات دول أوروبية كبرى.
وترقى استراتيجية ترامب المحتملة إلى مستوى استرضاء حاكم مستبد، والتخلي عن القيادة الأميركية فيما يتعلق بقضايا مهمة مثل حقوق الإنسان، ونشر الديمقراطية، وسيادة القانون، وحرية الإعلام. يبدو الأمر بالنسبة إلى شخص يقدم نفسه كشخص ناجح في عقد الصفقات صفقة خاسرة رهيبة.
* خدمة «واشنطن بوست»