سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

خريطة طريق حكيم الجزيرة

أعدت دول الخليج للزيارة الملكية الأولى ترحيبًا لا سابقة له. لا الرجل عادي، ولا الرمز عادي. تتجاوز الزيارة مبادئ العلاقات الثنائية العادية التي تربط هذه المنطقة الأكثر تجانسًا وانسجامًا في العالم العربي، إلى التحديات التي تواجهها منفردة ومجتمعة؛ اقتصاديًا وجغرافيًا واجتماعيًا.
لذلك كان استقبال الملك سلمان عرضًا جماعيًا من عروض الثقة العميقة في سيرته وفي دوره. وقد استبق الاستقبال في كل عاصمة برسائل رسمية تعبر عن مدى تطلع الدول المضيفة إلى أهمية الضيف الكبير، ومدى تقديرها لسياساته ودبلوماسيته ودوره العربي والخليجي عبر العقود.
وأعطى الملك لنفسه مهمة لم تتغير، هي تذليل العقبة إذا قامت، وتمتين العلاقة إذا تباطأت. ومنذ سنواته الأولى في إمارة الرياض، كانت القيادة السعودية تعتمده مبعوثًا فوق العادة لدى العواصم، في الأزمات المستجدة، أو في حقبة الانفراج. ورغم ملف العلاقات الكبرى التي تولاها عبر السنين، بقي الخليج همَّه الأول، فهو ينظر إلى المنظومة الخليجية قبل قيام مجلس التعاون، على أنها مجموعة مستقلة ولدت موحدة في كل عناصر ومعاني الاتحاد.
وإذ أقيم مقر مجلس التعاون في الرياض، زاده ذلك من الاطلاع شبه اليومي على أحوال الجوار وكأنها شأن داخلي. ويذكر الذين عرفوا الملك أنه يتابع صحف دول الاتحاد مثلما يتابع صحف البلاد، ويتعرف من خلالها على شؤون السياسة والناس.
يتوقع الجميع أن ينتقل مجلس التعاون إلى مرحلة بالغة التقدم مع رؤية الملك سلمان إلى ضرورات والتزامات التعاون. وهو كان مُقنعًا بضرورة الانتقال نحو خطوات أكثر صلابة وشمولية وحيوية، قبل أن تتفاقم الأزمات في الخليج وجواره. وكانت القاعدة التي اعتمدها في الداخل والخارج التصدي للأزمات قبل وقوعها، ودرس الضرورات قبل اشتدادها.
وقد قابلته دول الخليج في جولته الأولى بإظهار عواطفها حياله على نحو مؤثر. وعادت العواصم إلى عاداتها وجذورها وتقاليدها مرة واحدة، لكي تعبر عما تعنيه الزيارة لها. وفي الزيارة ظهرت، أكثر من أي مرحلة مضت في عمر الخليج المستقل، ضرورة الخليج الموحد والأواصر المتحدة. كما ظهر مدى الرغبة في الاحتفاء غير العادي بحكيم الجزيرة.