بحلول شهر يناير (كانون الثاني)، يمضي عامان على تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية. خلالهما تمكن بنجاح لافت من تغيير الصورة النمطية عن المملكة. كدولة مانحة في الداخل والخارج من دون حساب، أصبحت تلك المنح مقننة بعناية وذات معايير صارمة تراعي الحاجة والاستحقاق من دون إغفال مصالح الدولة العليا. دور المملكة على الساحتين الإقليمية والدولية أصبح أكثر تأثيرا وفعالية، مستندة إلى الدين الإسلامي الحنيف والشرعية الدولية، كما نص عليها ميثاق الأمم المتحدة في الفصلين السادس والسابع.
تهور سياسة طهران وإشعالها الحرائق في المنطقة كان لا بد من صده وكشف نواياها السيئة، ولم يكن أحد قادرا على فعل ذلك سوى الملك سلمان بحزمه وحكمته المشهودة في ظل تدهور النظام العربي وانحساره. لقد حقق ذلك الملك سلمان حين قاد حلفين عسكريين أحدهما عربي (لدعم الشرعية في اليمن) والآخر إسلامي (التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب) وضم في عضويته أربعين دولة مسلمة، ويملك غرفة عمليات مقرها الرياض، والمقر دلالة واضحة على المكانة والقبول من الأعضاء في التحالف لدور المملكة. وتكريس مستحق لقيادتها لمليار ونصف مليار مسلم حول العالم.
سطوع دبلوماسية الملك سلمان ظهر في وقت مبكر، لا سيما فكرته الخلاقة لإقامة معرض «الرياض بين الأمس واليوم».. واستبدلت لاحقا بتسمية الرياض «المملكة»، بعد النجاح اللافت الذي حققه. مضيفًا لمسة إنسانية وثقافية على الدبلوماسية السعودية المثقلة بهموم وطنية وعربية وإسلامية بالإضافة إلى دورها العالمي.
إن تعلق الملك سلمان بالقضايا الثقافية خاصة في بعدها التاريخي يلامس حد الشغف، وهو ما أفضى إلى انطلاق قافلة معرض «المملكة بين الأمس واليوم» في محطات عدة، كانت أولاها ألمانيا عام 1985، وكان جسرًا ناجحًا لإعطاء الرأي العام الخارجي صورة ليست نمطية عن المملكة، التي ظلت لسنوات كثيرة في نظر كثيرين مجرد خزان نفط كبير!
في مدن أميركية، كندية، أوروبية، آسيوية كان مشهد طوابير البشر المصطفين لدخول المعرض مذهلا بكل المقاييس. بلغ عدد المشاهدين للمعرض عدة ملايين، وزعت عليهم مصاحف بلغات عدة ومطويات تعرف بالدين الإسلامي الحنيف وصور من الحرمين الشريفين والكعبة المشرفة. لأول مرة في تاريخ المملكة قدم الملك سلمان بخياله السياسي، فكرة تحاكي فضول الآخر. لقد تمكن المعرض من تقديم المملكة بكل تجلياتها الإنسانية، والتعرف على تفاصيل وحقائق التجربة، فقد جسد التجربة بكل ما تكتنزه من تراث وبنى قواعد لحياة المستقبل.
أدرك الملك سلمان أن قيام مثل هذا المعرض سوف يشكل همزة وصل بين المملكة والعالم، وحرص على افتتاحه شخصيا في كل مدينة، لإضفاء الزخم اللازم، على أن يشاركه الافتتاح شخصية كبيرة في البلد المضيف لاستقطاب وسائل الإعلام المحلية، ولفت انتباهها بأقصى درجة ممكنة، لتعود الفائدة على سمعة المملكة. أذكر ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز وزوجته الراحلة الأميرة ديانا، حين افتتحا المعرض بمعية الملك سلمان في قاعة «أولمبيا» العريقة في لندن، وأذكر أيضا الرئيس شيراك حين افتتحه في قصر «غراند باليه» التاريخي في باريس، على ضفاف نهر السين. في كندا ما زال الناس يتحدثون عن المعرض والأثر الذي تركه، رغم مرور أكثر من عشرين عاما على إقامته.. في قصر الضيافة الحكومي «ريدو جيت» في العاصمة أوتاوا، المخصص لإقامة رؤساء الدول شاهدت صورة للملك سلمان مذيلة بتوقيعه. وهي دلالة واضحة على مكانته كقائد عالمي لا يشق له غبار منذ ذلك الحين. إن الزعامات التاريخية التي تسكن ضمير العالم، يتم لها ذلك، تتويجا لمشوار طويل من المقاربات الخلاقة التي تحاكي وعي الإنسان مجردا من انتماءاته.
الملك سلمان، حمل المملكة في قلبه وعقله، وطاف بها أرجاء العالم بشخصيته الكاريزمية الودودة، منذ توليه إمارة منطقة الرياض إلى أن أصبح ملكا. وفي الأيام القادمة سيقطف الملك ثمار سياسته الخارجية الناجحة، التي ستشهد نقلة نوعية في ظل التغيرات التي يمر بها العالم. منذ حسمت الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالح المرشح الجمهوري السيد ترامب، مدعومة بالرصيد الضخم من العلاقات التي تربط الملك سلمان مع زعماء وقادة العالم، والذي أصبح من أبرزهم، لخصاله الفريدة ولمكانة بلاده.
* كاتب ودبلوماسي سعودي
8:2 دقيقه
TT
لمحة من دبلوماسية الملك سلمان
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة