د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

الخليج ومشاريع السياحة

تسعى دول الخليج العربية إلى تنويع مصادر الدخل بعد انخفاض أسعار النفط، ومن الأفكار التي تطرحها هذه الدول تشجيع السياحة في بلدانها لاستقطاب أكبر عدد من السياح الخليجيين أو الأجانب.
السؤال لماذا الاتجاه للسياحة؟ الإجابة هي أن قطاع السياحة عالميًا من أكثر القطاعات توفيرًا لفرص عمل جديدة للمواطنين من سائق تاكسي - فنادق - مطاعم - قطاع التسوق والترفيه متعدد الأنواع - وقطاع الثقافة من متاحف ودور أوبرا وصالات للموسيقى الكلاسيكية.. كما تتطلب السياحة صالات للسينما والمسرح والموسيقى وغيرها. فالإنسان عندما يكون في إجازة أو رحلة عمل بعيدًا عن بلده يزداد إنفاقه.. لهذه الأسباب تسعى كل الدول لاستقطاب أكبر عدد من السياح من البلد نفسه أو الأجانب. وتعتبر فرنسا من أكثر دول العالم استقطابًا للسياح، حيث زارها في عام 2013، 85 مليون سائح، وتأتي بعدها إسبانيا بـ65 مليون سائح، وتليها إيطاليا باستقبال 49 مليون سائح، وتأتي تركيا بعدها بـ40 مليون سائح.
وتجدر الإشارة إلى أن هنالك دولاً تعتمد اعتمادًا شبه كلي في اقتصادها على السياحة مثل جزر المالديف، حيث يشكل دخل السياحة 96.5 في المائة من دخل الدولة.. كما أن لبنان يشكل قطاع السياحة فيه 22 في المائة من الدخل، والأردن 21 في المائة من الدخل، والمغرب 18 في المائة من دخل الدولة، ومصر 11.4 في المائة نسبة مساهمة السياحة في الاقتصاد، وتليها الإمارات العربية بنسبة 8.7 في المائة من الدخل، وبعدها السعودية بنسبة 8 في المائة من الناتج المحلي، أما الكويت فنسبة السياحة من الدخل فقط 4 في المائة.
مرة أخرى نسأل ما هي نوعية السياح الذين ترغب دول الخليج في استقطابهم؟ هل هم السكان الخليجيون، خصوصًا بعد أن ازدادت نسبة المواطنين الخليجيين الباحثين عن السياحة في الدول المجاورة أو الخارج إلى نسبة عالمية؟.. الصحف السعودية ذكرت أن أكثر من مليون سعودي تركوا السعودية للسياحة في الدول المجاورة مثل البحرين ودبي وعمان وغيرها.. أما في الكويت فالأرقام تدل على أن نحو نصف سكان الكويت يتركونها في أشهر الصيف للسياحة في الخارج، ويستغل الشباب الخليجي فرص الإجازات القصيرة للسفر إلى الدول المجاورة بحثًا عن الترفيه.. واضح جدًا أن دول الخليج تبحث عن طرق ووسائل جديدة لإبقاء مواطنيها في بلدانهم بتوفير مجالات جديدة للسياحة والترفيه.
كي تنجح السياحة في دول الخليج فعلى هذه الدول أن تعي أن السياحة بمفهومها العام تحتاج إلى حرية وانفتاح وليس فقط مطارات جديدة وعمارات وفنادق ضخمة وشواطئ جميلة.. بمعنى آخر السائح يريد الترفيه عن نفسه، فالبعض من العائلات تفضل الحدائق والمتنزهات العامة وأسواقًا متطورة للتسوق.. أما الشباب فهم يبحثون عن دور السينما والمسرح وأندية الموسيقى والفن بشكل عام.. ويبحث البعض عن وسائل ترفيه أخرى غير موجودة في بلده.
لقد نجح الأشقاء في دولة الإمارات العربية وتحديدًا دبي في توفير كل ما يحتاجه السائح من وسائل الراحة؛ من تسهيلات في المطار إلى التاكسي النظيف والفنادق وأماكن الترفيه المتعددة، كما وفرت للعائلات والأطفال أماكن ترفيهية وتسويق جديدة.
السؤال المهم الذي على المسؤولين عن السياحة في الخليج الإجابة عنه هو ما الهدف الرئيسي للسياحة في الخليج؟ هل الهدف هو وقف هجرة الشباب الخليجي للدول المجاورة أو الدول العربية أو الأجنبية بحثًا عن الترفيه؟ أم الهدف من الترويج للسياحة هو خلق وظائف وفرص عمل في بلداننا للشباب والشابات في هذا القطاع؟
هل سأل أحد المسؤولين الشبان أو الشابات في الخليج من المواطنين هل لديهم الاستعداد للعمل في قطاع «خدمي» بمعنى هل يقبلون العمل كنادل في مطعم أو وظيفة عامل استقبال في الفنادق أو مرشد سياحي في متحف يتكلم أكثر من لغة أو سائق تاكسي أو غيرها من الوظائف المتوفرة في قطاع السياحة؟ واقع الحال والتجارب العملية تشير إلى أن لدينا شبابًا وشابات في بعض دول الخليج مثل البحرين والسعودية وسلطنة عمان نفخر بهم لأنهم يعملون في قطاع الفنادق والمطاعم، وهذه خطوة رائدة في الطريق الصحيح، لكن ماذا عن الشباب القطري والإماراتي والكويتي.. هل لديهم الاستعداد للعمل في هذا القطاع.. تجربتنا في الكويت اليوم هي أن الكثير من الشبان والشابات هو دخولهم في مجال الطبخ على مجال واسع.. حتى أن تشجيع الدولة للشباب من خلال المشاريع الصغيرة التي تدعم فيها الحكومة الشباب ماليًا أثبتت أن معظم الشبان والشابات يفضلون العمل في قطاع المطاعم وهي نقطة إيجابية.. لكن تتطلب التنويع في مجال العمل لاستقطاب شباب أكثر للعمل في القطاعات المختلفة، خصوصًا أن دول الخليج اليوم لم يَعُد باستطاعتها توظيف المواطنين الخليجيين في القطاع الحكومي.. لذلك نشجع الاستثمار في مجال السياحة لكن هل تستطيع كل من السعودية والكويت توفير كل ما يطلبه شبابهما حتى لا يهاجروا إلى بلدان أخرى مجاورة بحثًا عن الترفيه؟