سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

بورما تقلّد دبي

قال الرئيس الأميركي الثاني، جون آدامز: «الحكومة في حالة تجمّد. ففيما تقدمت جميع العلوم الأخرى، ليست حكومتنا أفضل بكثير مما كانت عليه الحكومات قبل ثلاثة، أو أربعة آلاف سنة». لا تحرك الحكومات إلا المبادرات على طريقة القطاع الخاص. جميع علوم ومعالم التقدم في العالم تمت خارج الحكومات: الكهرباء، والطائرات، والأدوية، وصنع الحرير من شرنقة، وردم البحر كما في هولندا أو البحرين. الإنسان «الخاص» أكثر طموحًا وحرية من البيروقراطي الذي يمضي عمره وراء مكتب واحد وروتين واحد.
لذلك، عمدت الدول الصناعية الكبرى إلى مزج الخاص بالعام. أو استعانت حكوماتها بالشركات الخاصة لبناء دفاعاتها وأسلحتها. مشكلة البيروقراطي، كما قال ميكيافيلي، أنه لا يطرح التساؤلات، والحكومة التي لا تطرح على نفسها الأسئلة، لا يمكن أن تتوصل إلى معرفة الحقائق. لو تساءل حكام طروادة عن سبب وجود ذلك الحصان الخشبي الضخم، لأدركوا أنه معبأ بالمقاتلين اليونانيين. ولو تساءل هتلر لماذا فشل شارل الحادي عشر ونابليون في غزو روسيا، لما كرر التجربة القاتلة.
التساؤل الذي أوصى به ميكيافيلي، هو ما نسميه اليوم النقد الذاتي. أو التجربة والخطأ، وصولاً إلى رؤية تدفع بالقطاع العام إلى محاذاة القطاع الخاص في التطور والنمو. أنجح التجارب كانت إنجازات لي كوان يو، ومهاتير محمد، ومحمد بن راشد. من الصعب أن تميز في دبي بين القطاع العام والخاص. على الأقل بالنسبة إليَّ. ففي الفترات التي أمضيتها هناك، لم ألحظ القطاع العام إلا في ثياب الشرطة. وحتى في هذه، كان هناك قائد الشرطة ضاحي خلفان يرتدي دائمًا الثوب الوطني.
ليس من المستحيل تحريك البيروقراطية ودمجها في الإنتاج الوطني التنافسي. ولعل هذا هو التحدي الأساسي في رؤية الأمير محمد بن سلمان لعام 2030. الإنسان هو الأداة الأهم في أي مجهود جماعي تنموي. ولكل دولة بالطبع ظروفها وطاقاتها وإمكاناتها وطرقها، غير أن الغاية في النهاية واحدة، وهي تنويع سبل الإنتاج وحماية الاقتصاد الوطني وتحصين حركة النمو.
«السنّة خلف الباب»، تقول أمثال القرى. والحكومات تخطط للأجيال. كان الرئيس الأميركي جيرالد فورد يقول: «لقد أنهى أبنائي علومهم، لكنني مهموم بغلاء أقساط أبنائهم». قال لي سياسي عربي عائد من ميانمار (بورما)، إن هاجس الدولة هناك هو تقليد نموذج دبي. بعد عقود من الحكم العسكري والوعورة السياسية والاقتصادية، يرون أن الحل هو في شيء مثل دبي. وسوف يوفدون خبراءهم للدرس.